طرابلس - أقالت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان المجلس البلدي لمدينة درنة بالكامل وأحالت أعضاءه إلى التحقيق، في خطوة تؤشر على البحث عن أكباش فداء مع تصاعد الاحتجاجات المطالبة بمحاسبة المسؤولين المقصّرين، خاصة بعد أن أثتبت تقارير أنه كان يمكن تفادي الكارثة لو تمت صيانة سدّي المدينة اللذين تسبب انهيارها في الفيضانات رغم أن الميزانية رصدت لذلك، بينما حذرت دراسة في وقت سابق من وضعية الخزّانين المائيين. وفي المظاهرات الغاضبة التي خرجت في درنة الاثنين تلا ممثل عن المحتجين بيانا قال فيه إن "ما نعيشه اليوم يحتم علينا المطالبة بمحاسبة كل من تولى مقاليد الأمور في مدينتنا ونطالب بإقالة المجلس البلدي الحالي للمدينة وإحالته للتحقيق وتكليف مجلس جديد". وطالب أهالي درنة باتخاذ "الإجراءات القانونية والقضائية كافة ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم كائنًا من يكون"، داعين مكتب الدعم في ليبيا التابع لهيئة الأمم المتحدة لفتح مقرّ له بمدينة درنة وبشكل عاجل. وناشد المتظاهرون منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإغاثية الدولية بإنشاء مركز للرعاية الطبية والتأهيل النفسي بمدينة درنة، داعين إلى "إعادة إعمار المدينة بأسرع وقت عن طريق هيئات وشركات عالمية وليس محلية على أن يخضع ذلك لرقابة أممية". وختم متظاهرو درنة بيانهم قائلين "نحن من تبقى من سكان درنة، لن نرضى بغير ما طلبنا ولن نتسامح مع كل من كان سببًا أو عونا لإهمال أو فساد أدى بنا إلى هذا المآل". وقال عبدالقادر العمراني من سريره في أحد مستشفيات بنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي "قبل عامين، كان يحدث تسرب في السد الكبير عندما يكون نصف ممتلئ. حذّرنا البلدية وطالبنا بإصلاحات". وأضاف الرجل البالغ من العمر 48 عاما والذي رأى جثث ستة من أحبائه تجرفها المياه في مدينته المدمرة "كان يمكن تجنّب آلاف الوفيات"، معتبرا أن المسؤولين الذين لم يقوموا بالإصلاحات يتحمّلون مسؤولية الوفيات. وبالمثل، حمّل عزالدين مفتاح (32 عاما) القابع في العناية المركزة السلطات المحلية المسؤولية. وقال الموظف في القطاع الخاص الذي نجت عائلته من الفيضانات إنه "خطأ المسؤولين الذين لم يقوموا بعملهم وتركوا السدّين ينهاران". وحوّلت موجة المد التي تلت انهيار السدَّين قلب المدينة البالغ عدد سكانها 100 ألف نسمة إلى كومة من الوحل مشطتها فرق الإنقاذ لانتشال الجثث والجرافات لحفر مدافن جماعية. وقال العمراني "بعد كل هذا الموت أصبحت البلاد موحدة أخيرا وهبّ الجميع لمساعدتنا"، مبديا اقتناعه بأن "درنة ستكون قضية تستحق الدفاع عنها"، لكن من أجل تحقيق ذلك، قال ناجٍ آخر يقبع في سرير مجاور لم يرغب في كشف اسمه "نحن نحتاج إلى دولة". وأوضح هذا الرجل البالغ 53 عاما والذي ضرب رأسه "في السقف بعدما ملأت مياه الفيضانات غرفة المعيشة" أن هناك حاجة إلى "المليارات وإلى شبكة صرف صحي جديدة"، معربا عن امتنانه "للمجتمع المدني". وأضاف الرجل "انتقلت ليبيا من مشكلة إلى أخرى، لكننا الآن في حاجة إلى دولة لأن درنة مدمرة وما زال 70 ألف شخص مهددين بالأوبئة هناك". وتابع الخمسيني الذي ينتظر الخضوع عملية جراحية بعد إصابته بالتهابات في يديه وساقيه المكسورتين بسبب السباحة في مياه الصرف الصحي "لا يستطيع الناس شرب الماء أو الاغتسال بها، كيف سيتدبّرون أمورهم؟". وأكد أن أحدا لم يتخيّل أن يجتاح مثل هذا "التسونامي" درنة، مضيفا "في المساء تلقينا تنبيها يفيد بأن مستوى سطح البحر سيرتفع، فأخذت زوجتي وأطفالي الأربعة للاحتماء مع أهل زوجتي في الجبال المطلة على المدينة". وعندما عاد بمفرده إلى درنة، طلب المشورة من السلطات المحلية التي أكدت له أن منزله ليس في المنطقة المهددة، وفق ما روى. وبعدها، حدث كل شيء بسرعة كبيرة، كما قال العمراني مضيفا "الوفيات والمفقودون وتدمير درنة، كل هذا وقع بين الساعة الثالثة والرابعة صباحا". وقال وزير الطيران المدني في حكومة شرق ليبيا هشام أبوشكيوات اليوم الثلاثاء إن السلطات طلبت من الصحفيين مغادرة مدينة درنة المنكوبة جراء ما تعرضت له من سيول وفيضانات، مشيرا إلى أن العدد الكبير للصحفيين يعرقل عمل فرق الإغاثة. وأوضح أبوشكيوات أن "المسألة تنظيمية وهي محاولة لتهيئة الظروف لفرق الإنقاذ للقيام بالعمل بأكثر سلاسة وفعالية"، مضيفا "عدد الصحفيين الكبير أصبح مربكا لهم". وأكدت مصادر محلية في درنة انقطاع شبكتي الهواتف النقالة والانترنت منذ، على ما أفاد صحافي تمكن من مغادرة المدينة. وذكر المصدر أن السلطات المحلية طلبت من معظم الصحافيين مغادرة درنة وتسليم تصاريح التغطية التي تم منحها لهم. وتأتي هذه القيود غداة تنظيم السكان مظاهرة طالبوا فيها بمحاسبة السلطات في شرق البلاد التي يحمّلونها مسؤولية تداعيات الفيضانات التي تسبّبت بمقتل وفقدان آلاف الأرواح وفي دمار هائل. وأعلنت الشركة القابضة للاتصالات (LPTIC) في بيان على فيسبوك عن "قطع في كوابل الألياف البصرية يؤثر على شبكة الاتصالات في مدينة درنة". وأشارت إلى أن هذه المشكلة التي تؤثر أيضا على مناطق أخرى في شرق ليببا "قد تكون نتيجة أعمال تخريب متعمدة". وقالت نجوى مكي متحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن السلطات الليبية رفضت دخول فريق تابع للمنظمة الدولية كان من المقرر أن يتوجه إلى مدينة درنة الليبية اليوم الثلاثاء للمساعدة في مواجهة آثار أسوأ كارثة طبيعية على الإطلاق في البلاد. وأضافت مكي "يمكننا أن نؤكد أن فرق البحث والإنقاذ والطوارئ الطبية وزملاء من الأمم المتحدة ممن هم بداخل درنة بالفعل يواصلون العمل... لكن فريقا من الأمم المتحدة كان من المقرر أن يذهب لدرنة من بنغازي اليوم لكن لم يسمح له بذلك" وطالبت بالسماح بوصول الفرق دون عراقيل. وفي 10 أيلول/سبتمبر الجاري اجتاحت العاصفة المتوسطية "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة بالإضافة إلى مناطق أخرى بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر. وكان النائب العام الليبي الصديق الصور قد أعلن فتح تحقيق في ما حل بدرنة كون ارتفاع عدد الوفيات بها جراء الفيضانات كان بسبب انهيار سدودها القديمة التي لم تخضع للصيانة منذ عشرات السنوات رغم رصد الدولة ميزانية لذلك سابقا.
مشاركة :