يقول أبو تمام: نقّل فؤادَك حيثُ شئتَ من الهوَى مَا الحبُّ إلاَّ للحبيبِ الأوَّلِ كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتَى وحنينُهُ دومًا لأوَّلِ منزلِ جماليات الشعر تغري كثيرًا بالاستشهاد والتندر، وإن لم تصل القناعة فيه حد المعتقد، فعلى كثرة من يعتبر أبا تمام محقّاً جدّاً، فإن كثرة أخرى على الجانب المقابل تغني: أهلا حبّي الجديد.. أهلا يا أحلى عيد.. وتردد (ينتهي الحب وبداله ألف حب)، فإن كان الحب صرع بعض مجانينه، فإن كثيرًا من (العقلاء) رشّدوه وروّضوه، وأحبّوا مرارًا دون أن تتشكل لديهم عقدة فشل الحب الأول. فجاء كل حب جديد ليجَبَّ ما قبله، ويغسل آثاره بالماء والصابون، حتى كأن لم يكن، هكذا هو حب البشر للبشر، متقلّب كقلوبهم، متنوّع كأمزجتهم، لكنهم في كل مرة -فشلوا أو نجحوا- كانوا يلجأون للحب الأعظم ليمدهم بالصبر، أو يهبهم الوصال، أو ليساعدهم في محو حب وإحلال آخر مكانه، ذلك الحب الفطري الكبير الذي لا يُعادله حب، ولا ينازعه حب، هو الحب الأول الذي فطر الخلق عليه، وتلمس الوجدانُ وجودَه قبل الرسالات، ولم يغن أحد من الخلق حبيب بشري عن الاحتياج لحبه، والفرار إليه. هو الحق الذي لا ينازعه باطل، الذي يبقى حبه ولا يمحوه حب ثانٍ مهما عظم، ولا قبائل من الأحبة مهما كثرت، هو واحد لا شريك له -جل وعلا- حب الله وحده، ونقّل فؤادك حيث شئت من حب الناس والمباهج، فكل شيء عداه -سبحانه- باطل! ولو نتأمل أسباب الضيق والكبد الذي يختنق فيه الناس؛ لوجدنا أهم أسبابه التعلق بالبشر؛ وما لدى البشر من حب وعطف ومال على حساب ما لديه سبحانه من خزائن السموات والأرض، فنغفل عن الحقيقة العظمى التي تطمئن النفوس، وتجعل السكينة تغشاها، وبدلاً من اللجوء إليه -جل وعلا- وهو القادر الغني نلجأ لخلقه الذين لا يملكون لأنفسهم شيئًا، ونشتكي الذي يرحم للذي لا يرحم، وكم خذلونا وأهدروا صدقنا على عنت كبرهم، وتحطمت آمالنا على صخور أنانيتهم، لكن الرحمن لم يخذلنا قط، ولم يتخل عنا أبدًا، ولم ندعه إلاّ وهو القريب المجيب، ولم نستغفره إلاّ وهو الغفور الرحيم، فما أحوج فقرنا لغناه، وما أحوج ضعفنا لقوته، وما أغنانا به عن خلقه، وما أقوانا به على طغاتهم وفراعنتهم. ولذا ما أجدر أن (نفرمت) ذاكرتنا، ونخلصها من وهم الحاجة للخلق، ونستلهم حبّ الحبيب الأول لا شريك له، الحب الذي لا يمحى، فهو -سبحانه- الحبيب الذي لا يهجر، ولا يغدر، ولا يخذل. lolo.alamro@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (71) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :