يواجه أغلب الدول المنتجة تحديات واسعة في ضوء انخفاض أسعار النفط الخام على مدار قرابة عامين، ما دفع عديدا منها إلى زيادة الإنتاج في محاولة للتغلب على ضعف العائدات النفطية والوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها والشركاء الأجانب في تأمين الإمدادات. وبات من المهمات الصعبة إقناع المنتجين بتجميد أو خفض الإنتاج على الرغم من إدراك أغلبهم أن هذه الخطوة أصبحت ضرورية بشدة لدعم الأسعار ودفع السوق نحو التعافي والتوازن من أجل تنشيط الاستثمارات من جديد وتحقيق مستقبل أفضل لصناعة النفط. ويحظى هذا التوجه بدعم روسي وبنشاط مكثف من فنزويلا، حيث نجحا في ضم عديد من المنتجين إلا أن تأجيل الاجتماع المرتقب بين المنتجين في "أوبك" وخارجها يعيد فتح ملف فكرة التوافق والتمسك بدعم تجميد الإنتاج، التي انطلقت من الدوحة بدعم من أربع دول هي السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر. وفي المقابل، تتطلع السوق إلى طفرة جديدة في مستويات الطلب تقود إلى التوازن، خاصة من الدول النامية الهند وباكستان والأخيرة تبدأ الشهر الجاري تنفيذ أضخم اتفاق دولي لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر بقيمة 16 مليار دولار. وفي هذا الإطار، استعرض تقرير حديث لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" كيفية تعامل الرئيس الدوري للمنظمة (النيجيري) مع قضية مستوى الإنتاج ومشاكل العمالة، كما تناول التقرير مستقبل صادرات قطر من الغاز المسال إلى دول الطلب الصاعدة، خاصة باكستان. وبحسب تقرير"أوبك"، فإنه في ظل المناخ الحالي الذي يتسم بانخفاض أسعار الخام إلى مستويات مقلقة ومرهقة لاقتصادات كل أطراف الصناعة أكدت شركة النفط الوطنية النيجيرية عزمها على زيادة إنتاج النفط والغاز كوسيلة لتخفيف الضغط المتواصل على العجز المالي المتزايد. وأشار التقرير إلى أن الشركة النيجيرية الرئيسة تضطر كلما تراجعت أسعار النفط الخام إلى اللجوء في المقابل إلى زيادة أرقام إنتاجها وتصدير كميات أكبر لتحقيق عوائد أكبر من حجم إنفاقها على الاستثمار. وأوضح التقرير أن شركة تطوير البترول في نيجيريا وهي شركة تابعة لشركة النفط الوطنية ومختصة بالتنقيب عن النفط والغاز قد أعلنت نهاية العام الماضي أن إنتاجها من الخام ارتفع بنحو 23 في المائة مقارنة بالشهر السابق. وذكر التقرير أن الزيادة في إنتاج نيجيريا لا تمثل سوى جزء صغير من إجمالي إنتاج النفط، الذي يبلغ نحو مليوني برميل يوميا إلا أن هذه الزيادة تعد مؤشرا على عزم الشركة النيجيرية زيادة الإنتاج، منوها إلى أن إجمالي إنتاج النفط في نيجيريا سجل في كانون الثاني (يناير) الماضي نحو 91.5 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها 252 ألف برميل يوميا عن حجم الإنتاج الذي تم تسجيله في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقال التقرير إن نيجيريا مثلها مثل الدول الأخرى المنتجة للنفط، التي تواجه أوقاتا صعبة بعد تراجع أسعار الخام في الأسواق الدولية، مشيرا إلى أن نيجيريا تعتمد بشكل أساسي على صادرات النفط كمصدر رئيس للدخل القومي. وشدد التقرير على أن الظروف الراهنة للسوق تتطلب البحث عن سبل ووسائل لدعم صناعة النفط، التي قد تضررت بشدة من انخفاض أسعار النفط، مضيفا أن الأسعار المنخفضة إلى جانب انخفاض الصادرات كان لهما تأثير واسع في اقتصاديات الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة "أوبك" حيث وجدت صعوبة بالغة في الوفاء بالتزاماتها النقدية تجاه الشركاء. وقال تقرير "أوبك" إنه في الوقت نفسه دعت الحكومة النيجيرية شركاءها الأجانب في الاستثمارات في مجال النفط إلى إعادة التفكير في خطط العمل لمواجهة تحديات انخفاض الأسعار خاصة بعد قيام الشركات «بمذبحة» تسريح العمالة نتيجة لانخفاض أسعار النفط وعائداته. وأضاف التقرير أن الحكومة النيجيرية وجهت هذا النداء بعد الاضطرابات التي حركتها النقابات العمالية النفطية في البلاد، والتي وصلت إلى التهديد بالإضراب الكامل إذا تم الإعلان عن فقدان المزيد من الوظائف، ما أجبر شركات النفط العالمية على الحد نسبيا من تسريح العمالة والبحث في خطط تنمية لدعم المراكز المالية للشركات وتعليق شطب الوظائف بعد أن فقد عدة آلاف من موظفي النفط وظائفهم بالفعل. وأوضح تقرير "أوبك" أن شركاء إنتاج النفط في نيجيريا هم شركات "رويال داتش شل" و"إكسون موبيل" و"شيفرون" و"توتال" و"إيني" الذين تمثل مشروعاتهم نحو 90 في المائة من إجمالي إنتاج النفط الخام والمكثفات في البلاد، مشيرا إلى أن وزارة العمل النيجيرية طلبت من الشركات النفطية العالمية تعليق أي خطط لترشيد العمالة في المرحلة الحالية. وأضاف التقرير أن هذه الخطوة جاءت بعد إعلان شركة شل العالمية للطاقة وهي تعتبر صاحبة أكبر مشروع نفطي مشترك في نيجيريا أنها تنوي خفض عشرة آلاف وظيفة خلال العام الجاري في كل مشروعاتها حول العالم، ما أثار القلق حول حجم نصيب الاستثمارات في نيجيريا من عمليات خفض الوظائف في "شل". ونقل التقرير عن وزارة العمل في نيجيريا أن أي خفض للوظائف ولا سيما في قطاع النفط الاستراتيجي سوف يضاعف مشكلة الأمن والاستقرار الاجتماعي، التي تعانيها نيجيريا في المرحلة الراهنة، مشيرا إلى اعتراف "شل" بأن أسعار النفط المنخفضة والمهيمنة حاليا على الأسواق تؤثر بالفعل في خطط تطوير استثمارات الشركة في نيجيريا لكن "شل" ستحافظ على استراتيجيتها في نيجيريا وتتفادى قدر الإمكان التعرض لأصعب أجزاء قطاع البترول وهي قضايا العمالة. من جانب آخر، أكدت منظمة "أوبك" أهمية الاتفاق الذي توصلت إليه قطر مع باكستان لتزويد البلاد بالغاز الطبيعي المسال (لي إن جي) ووصفته بأنه اتفاق طال انتظاره وسيساعد كثيرا على تلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة للطاقة في باكستان، مشيرة إلى أن قيمة العقد بلغت 16 مليار دولار. وأوضح تقرير "أوبك" أن صفقة توريد الغاز المسال القطري إلى باكستان سوف تمتد على مدى 15 عاما، مشيرا إلى أنها نقطة محورية في تاريخ قطر كمورد مهم ورئيس للطاقة ويعتبر أول اتفاق مباشر على المدى الطويل بين الشركتين الوطنيتين في قطر وباكستان. وقال التقرير إنه بموجب هذه الخطوة سوف تقوم باكستان باستيراد 73.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تلبية 20 في المائة من احتياجات الطاقة المحلية في باكستان. واعتبر التقرير أن الصفقة القطرية ـــ الباكستانية من أهم صفقات الطاقة حول العالم وأقلها من حيث التكلفة، مشيرا إلى أن الصفقة ستؤمن احتياجات باكستان من الغاز الطبيعي المسال حتى 2032، مضيفا أن الصفقة ستوفر لباكستان نحو مليار دولار سنويا كما ستوفر 600 مليون دولار من إيجاد بديل لتكاليف وقود الديزل، التي يعتمد عليها في توليد الكهرباء في البلاد. ومن المقرر بدء ضخ الإمدادات القطرية من الغاز المسال إلى باكستان خلال آذار (مارس) الجاري وستبدأ بنحو خمس شحنات للغاز الطبيعي المسال شهريا. وقال التقرير إن محطة استيراد الغاز في باكستان لديها القدرة على استقبال واردات بنحو 4.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا وتعتزم باكستان إقامة محطة ثانية لاستيراد الغاز تكون جاهزة بحلول منتصف 2017. إلى ذلك، شهدت تعاملات نهاية الأسبوع المنصرم صعود أسعار النفط بما يصل إلى 2 في المائة وسجل الخام الأمريكي مكاسب للأسبوع الرابع على التوالي بعد أن قالت وكالة الطاقة الدولية إن السوق وصلت فيما يبدو إلى القاع رغم أن بنك جولدمان ساكس أشار إلى أن صعود الأسعار بنسبة 50 في المائة في أقل من شهر هو اتجاه "سابق لأوانه". وذكرت وكالة الطاقة الدولية التي مقرها باريس والتي تنسق سياسات الطاقة للدول الصناعية أن إنتاج الخام في الولايات المتحدة والمنتجين الآخرين غير الأعضاء في منظمة "أوبك" يبدأ في التراجع بمعدلات سريعة في حين أن الزيادات في الإمدادات من إيران أقل من أن تشكل مفاجأة. وأضافت الوكالة أن إنتاج النفط خارج "أوبك" سيهبط بمقدار 750 ألف برميل يوميا هذا العام وهو رقم يزيد نحو 25 في المائة عن تقديرها السابق البالغ 600 ألف برميل يوميا. لكن "جولدمان ساكس" أبقى على توقعاته المتشائمة قائلا في مذكرة إلى العملاء إن الأسعار قد تهبط بشكل حاد في الأسابيع المقبلة مع تسجيل مخزونات الخام في الولايات المتحدة مستويات قياسية مرتفعة بما يعوض انخفاضات في إنتاج البلاد. وأشار البنك إلى أن أسعار النفط بحاجة إلى أن تنخفض بدرجة تكفي لضمان هبوط الإمدادات بمرور الوقت متوقعا متوسطا قدره 39 دولارا للبرميل من خام القياس العالمي مزيج برنت في 2016 انخفاضا من تقديره السابق البالغ 45 دولارا. وبحسب "رويترز"، فقد أنهت عقود برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 34 سنتا أو نحو 1 في المائة لتسجل عند التسوية 40.39 دولار للبرميل، وعلى مدى الأسبوع سجلت مكاسب قدرها 4 في المائة هي ثالث زيادة أسبوعية على التوالي. وأغلقت عقود الخام الأمريكي مرتفعة 82 سنتا أو 2 في المائة إلى 38.69 دولار للبرميل بعد أن قفزت في وقت سابق من الجلسة إلى أعلى مستوى هذا العام عند 39.02 دولار، وتنهي الأسبوع مرتفعة 7 في المائة في رابع أسبوع على التوالي من المكاسب. ولقيت السوق دعما أيضا من بيانات من شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية أشارت إلى انخفاض عدد الحفارات النفطية قيد التشغيل في الولايات المتحدة للأسبوع الثاني عشر على التوالي ليصل إلى أدنى مستوى منذ عام 2009. من جهة أخرى، هبط إنتاج النفط اليومي في ولاية نورث داكوتا الأمريكية بنسبة 3 في المائة في كانون الثاني (يناير) مع اضطرار المنتجين لتقليص الإنتاج للشهر الثاني على التوالي بسبب أسعار الخام المنخفضة. وهوت أسعار النفط العالمية بأكثر من 60 في المائة منذ 2014 لتتآكل هوامش أرباح المنتجين في نورث داكوتا - ثاني أكبر منتج للخام في الولايات المتحدة- وكذلك صناعة النفط الصخري بكاملها. وأظهرت بيانات من إدارة الموارد المعدنية بالولاية التي تصدر تقاريرها متأخرة شهرين أن نورث داكوتا أنتجت مليون و122100 برميل يوميا من النفط الخام في الشهر الأول من العام الجاري انخفاضا من مليون و152696 برميلا يوميا في كانون الأول (ديسمبر)، وتراجع عدد منصات الحفر النفطية قيد التشغيل في الولاية إلى 33 وهو أدنى مستوى منذ آذار (مارس) 2007. وبالنسبة لمنتجي النفط الصخري الأمريكي فإن سعر 40 دولارا هو المعادل الحالي لسعر 70 دولارا من قبل، فمنذ أقل من عام كانت شركات النفط الصخري الرئيسية تقول إنها تحتاج النفط فوق 60 دولارا للبرميل حتى تنتج المزيد والآن يعتقد البعض أنهم سيقبلون بأقل من ذلك بكثير عند البت فيما إذا كانوا سيزيدون الإنتاج بعد أسوأ انهيار لسعر النفط في جيل. وتسلط تصريحاتهم الأخيرة الضوء على المتانة الجدية بالملاحظة التي يتمتع بها القطاع لكنها توجه أيضا رسالة تحذير للمنافسين والتجار تقول إن تراجع إنتاج النفط الأمريكي الذي سيسهم في انحسار تخمة المعروض العالمي وتعافي الأسعار قد يكون قصير الأمد مقارنة بما قد يتوقعه البعض. وأشار جون هارت المدير المالي لـ “كونتيننتال ريسورسز”، التي يقودها هارولد هام ملياردير التنقيب الأسبوع الماضي إلى أن الشركة مستعدة لزيادة الإنفاق الرأسمالي إذا وصل سعر الخام الأمريكي لما بين أوائل ومتوسط نطاق الأربعين دولارا بما يتيح لها زيادة إنتاج 2017 أكثر من 10 في المائة. وقال جيم فولكر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ “وايتنج بتروليوم كورب” أكبر منتج في حوض باكين بولاية نورث داكوتا للمحللين إن الشركة ستوقف التكسير في الآبار الجديدة بنهاية آذار (مارس) لكنها ستدرس استكمال بعض تلك الآبار إذا وصل النفط إلى ما بين 40 و45 دولارا للبرميل. ويسهم هبوط عدد منصات الحفر حاليا في تهدئة تراجع أسعار النفط من خلال خفض الإنتاج لكنه قد يحد أيضا من أي صعود بالتحول سريعا إلى زيادة الإنتاج فور بدء الأسعار في التعافي من المستويات الحالية التي فوق 30 دولارا بقليل. وأفاد جون كيلدوف الشريك لدى أجين كابيتال أن خطر تعافي النفط الصخري يضع سقفا لأسعار النفط، وإذا كانت هناك بعض التوقعات المتفائلة للطلب أو الاقتصاد فسيحاولون استباق المنحنى وزيادة الإنتاج سريعا.
مشاركة :