الحرم المدني وسلوكيات الناس - د. نورة الشملان

  • 3/13/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كنت في زيارة للمدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم -. ومن يزور هذه المدينة التي شهدت جزءاً مهماً من حياة الرسول الكريم لا بد أن يشعر بالسعادة والطمأنينة وراحة البال، ويزداد هذا الشعور نمواً عند دخول الحرم. دخلت الحرم، وتوجهت إلى القِبلة بقلب خاشع، وبينما الإمام يتلو آيات من القرآن الكريم إذا بأصوات متعالية ومختلطة، تُفسد عليَّ لذة الخشوع. إنها أصوات الأطفال المبتعثة من أفواه مواليد وآخرين أكبر سناً، منهم من يمشي، ومنهم من يحبو، ومنهم من يركض.. والأمهات يواصلن صلاتهن، وكأن الأمر لا يعنيهن، أو كأن الواحدة منهن أطلقت طفلها في حضانة أو في روضة أطفال، فهو يمر ويمرح ويلعب كيف يشاء. وقد استولى النعاس على بعضهم؛ فاضطجع مادًّا رجليه أمام المصليات، في حين كان الرضيع يصرخ صراخاً موجعاً، ينم عن حاجته إلى الإرضاع أو تغيير الملابس، وربما كان محموماً؛ يحتاج إلى خافض للحرارة. وسجد الإمام؛ وسجدنا بعده، وحين نادى بالرفع من السجود لم أستطع؛ لأن طفلاً صغيراً تربع على ظهري في غفلة من أمه التي كانت مستغرقة في صلاتها، وكأن الأمر لا يعنيها. وحين انتهت نصحتُها بأن تكون صلاتها في بيتها؛ لأن وجود أطفالها يُفسد على المصليات خشوعهن، وأشرت إلى أن صلاة المرأة في الحرم ليست واجبةً، بل إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يؤكد أن صلاتها في بيتها أفضل. أتدرون بماذا أجابت هذه المرأة؟ قالت «الحرم ما هو بيت أبوك». وأيدتها زميلتها الجالسة بجانبها بصوت غاضب، ووصل الأمر إلى التشكيك في عقيدتي. عندها انسحبتُ صاغرةً، وتوجهت إلى إحدى القائمات على نظام الحرم، وشكوت لها الأمر، وكان جوابها بأن الحرم خصص باباً للأمهات مع أطفالهن. ولم يقنعني هذا الجواب؛ لأن النتيجة واحدة؛ فأنا - مثلاً - ليس لدي أطفال، ومع ذلك لم أجد إلا هذا المكان لأصلي فيه، ومثلي كثيرات؛ فأيقنت أن ذلك ليس حلاً. وفي طريقي إلى مغادرة الحرم رأيتُ العجب العجاب من القاذورات التي تركها أصحابها.. من «كاسات» ورقية فارغة، ونوى تمر، إلى مناديل الورق التي تتطاير ناشرة الميكروبات التي تحملها على عباد الله. ورأيت امرأة تهم بالقيام للخروج تاركة أمامها مجموعة الفضلات؛ فطلبت منها بكل لطف أن تحمل فضلاتها إلى الحاوية القريبة. هل تدرون ماذا أجابت؟ وقد تحول صوتها إلى احتجاج على تدخلي «هلحين يجون العمال يشيلونه». احتسبت الأجر عند الله تعالى، وحملت ما استطعتُ حمله، ورميته في الحاوية. هذه صورة سلبية من السلوكيات التي نجدها في كل المساجد - مع الأسف الشديد - ولم تحُلْ حرمة المسجد الحرام والمسجد النبوي عنها، بل زادت في هذين المسجدين المقدسين. هل يليق بيت الله ومسجد رسوله أن يصدر من المصلين والمصليات هذا العمل الشائن؟! ألا يعلم الجميع أن «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»؟! حديثٌ نردده منذ كنا صغاراً، ولكن أين التطبيق العملي له فكيف بمن يجلب الأذى؟؟ لقد منع الرسول الكريم مَن يأكل ثوماً أو بصلاً من دخول المسجد؛ حتى لا يؤذي المصلين.. أين نحن من ذلك؟؟ إذا سلمنا بأن البعض يجهل مقاصد الشريعة، ألا يحتاج هذا البعض إلى الإرشاد والنوعية.. وإذا لم يفلح معه ذلك فالعقاب حل.. لماذا يمنع النصارى رمي الفضلات في شوارعهم، ويعاقبون من يفعل ذلك، ونسكت عن العبث في أطهر البقاع وأقدس الأماكن؟ إن للمساجد حرمة، لا بد أن يدركها الجميع، وإن حب الله ورسوله يحتم المحافظة على نظافة المساجد.. أتمنى من المسؤولين النظر في هذا الموضوع، واتخاذ الإجراء اللازم للعابثين، وتطبيق القاعدة الشرعية (دفع المفاسد مقدَّم على جلب المصالح)، وحث الناس على التمسك بمقاصد الشريعة التي تنادي بالنظافة أولاً، وعدم إيذاء الآخرين ثانياً. وبجانب هذه السلبيات لا بد أن أسجل شكري وتقديري للقائمين على نظافة الحرم، وأثمن ما يقومون به من جهود مضاعفة في المحافظة على نظافته، وأعتقد أنها جهود جبارة؛ تستحق الإكبار والإجلال؛ فعلى الرغم مما أوردت من سلوكيات الناس فالحرم في داخله وخارجه يتمتع بالنظافة - ولله الحمد -. لقد بهرتني نظافة الحمامات العامة، وهذا أمر نادر حتى في أكثر البلاد تقدماً. إن هذه الجهود الجبارة والمليارات التي تُصرف على المحافظة على نظافة الحرم يخدش جمالها ذلك الغض عن تصرفات الناس السلبية، الذي يعوِّد الناس على الكسل وعدم الإحساس بقيمة النعمة التي وهبهم إياها المولى - عز وجل -. هل نسينا أن ملوكنا تنازلوا عن لقب صاحب الجلالة إلى لقب خادم الحرمين الشريفين؟ أليس الأجدر بكل مؤمن يصلي في الحرم أن يكون خادماً لهذا المكان الطاهر؟ إنها دعوة لخطباء الحرم الذين يسمعهم الجميع بالتنبيه إلى حرمة ما يفعله الناس في الحرم. لم أجد في الكتيبات التي توزع مجاناً على الناس في الحرم إشارة إلى هذه القضية. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. مقالات أخرى للكاتب

مشاركة :