استقطبت قضايا العاملات المنزليات الاهتمام المحلي بكثافة هذه الأيام، فمع حوادث العنف المنزلي، وتهم السحر، الهروب، الاستجداء لسماسرة الخادمات مع دخول شهر رمضان، تكدس الهاربات منهن أمام سفارات بلدانهن، الإشكاليات القانونية المتعلقة بمرافقتهن لنا خارج البلاد..المشهد برمته غير صحي وغير إنساني ويستدعي وقفة طويلة ومراجعة.. فنحن على الغالب نتعامل مع ملف العاملات وفق تصورين لا ثالث لهما.. الأول:- خطاب وعظي مثالي رقيق يميل إلى تغليب الحسنى وتبني رأي (أن إعطاءهن حقوقهن مع حسن المعاملة والاحتواء سيقوم باستنطاق البعد الإنساني بداخلهن ويداوي عذابات غربتهن وستسير الأمور على مايرام).. ولكن على الغالب هذا الطرح لا يجدي لأنه رغم أهمية بعض بنوده، إلا أنه يغفل مبدأ القوانين والأنظمة التي تضبط وتكبح نوازع الشر وتنظم العلاقة بين البشر، وتجعل مساحة رادعة للعقاب كما هي موجودة للثواب. الخطاب الآخر:- هو خطاب شيوفيني عنصري يشيطنهن يجعلهن مصدراً لكل الشرور من فساد سلوكي وتهديد للدين والهوية، ومصدراً للسحر الأسود والصرف، والانحلال الأخلاقي، بالطبع الخطاب السابق خطاب من الخطر جدا أن نستقبل به فقيرة مغتربة تلاطمتها المطارات والدروب وهي تبحث عن لقمة عيشها، وستدفع أعواماً من صحتها وشبابها بين غرفاتنا بينما تتآكل طبقات جلدها من محلولات التنظيف في منازلنا. وأعتقد أن الخطابين السابقين نتيجة وليس تفسيراً، ولم يجيبا على سؤال.. كيف تواشجت وتعقدت علاقتنا معهن وخلقت حالة اتكالية كبرى في المجتمع؟ وقبل أن تتجه لي أصابهع الاتهام لا أنوي هنا أن أبدأ في التنظير والوعظ بينما هؤلاء النحلات الدؤوبات يرفرفن حولي يحففني في منزلي فيجعلن يومي منعشاً وساعاتي خالية من المسؤوليات فأصرفها للقراءة والكتابة، وأنا فقط أتمنى إعادة تقليب ملف العاملات المنزليات سوياً وفكفكة الكثير من القضايا التي يحويها ذلك الملف. - هل نبدأ بالطرز التي صممنا منازلنا عليها مساحات كبيرة تحتاج في ظروفنا الجوية القاسية صيانة مستمرة ونشطة، فبات يرافق تصميم المنازل لدينا كواقع ثابت غرف للخدم وللسائقين؟ - هل لأننا على المستوى النفسي نكابد حالة اتكال جمعي على وجودهن.. وكساح أصابنا وأبناءنا عن القيام بأبسط المهام ؟ أعتقد أن عملية الفطام من هذا كله تحتاج إلى مراحل زمنية طويلة مع إعادة برمجة أو فورمات لواقع الزمان والمكان. - هل هو مأزق نظام الكفالة الذي لم يسبب لنا فقط مشاكل داخلية من تسلط وهروب وتزوير وعنف متبادل، بل أيضا أصبح مصدراً لعلامة استفهام واستياء من قبل العالم ومنظماته الحقوقية، ومن هنا بالتحديد أعتقد يظهر المأزق القانوني الذي نتورط به عندما ترافقنا الخادمات إلى العالم الخارجي، حيث يتبدى في سوء الترجمة مابين نظام الكفالة المحلي الذي يسوغ الاحتفاظ بالأوراق الرسمية والثبوتية للعمال، ومابين من يفسر هذا كنوع من الاتجار بالبشر..حيث الهوة الكبيرة بين نظامين وثقافتين. ملف العاملات المنزليات ملف متورم.. ويحتاج إلى فتح ونقاش وإعادة صياغة للأنظمة بشكل يكفل الحقوق لجميع الأطراف. العالم المتمدن أوجد الكثير من الحلول سواء بالنسبة للنشاط الأسري المتكامل وتوازع المسؤوليات بحيث لا تصبح الخادمة جزءاً أساساً من المشهد بل زائرة طارئة لساعات يومية أو أسبوعية محدودة، بالإضافة إلى سن قوانين وأنظمة تضبط عملية التأجير بالساعات، تأسيس شركات للصيانة المنزلية على مستوى متطور، استحداث حضانات أطفال بشروط ومعايير جودة مرتفعة للأمهات العاملات. الحلول كثيرة ولا أظن أنني أعرفها كلها، ولكن استمرار الوضع كما هو عليه وتصعد المشاكل الاجتماعية التي تصل إلى حد الأزمات الدبلوماسية الدولية بيننا وبين بلدان العالم بات يتطلب مقاربة سريعة وحاسمة لما يحدث على أرض الواقع.
مشاركة :