حذر الكاتب الصحفي دانييل هايلي، المتخصص في مجال الجيوسياسة في شرق أفريقيا، من أن حالة عدم الاستقرار في السودان وإثيوبيا تهدد بتفكيك منطقة القرن الأفريقي، مما يدفعها إلى مزيد من الاضطرابات، وينذر بتداعيات كارثية على منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، ولا سيما في ظل تصاعد لوتيرة الهجرة غير النظامية. وقال هايلي، الذي يعمل حاليا ضابطا في الجيش الأمريكي في مجال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، في مقال بموقع مجلة «ناشونال إنترست»، «إن المنطقة عانت من صراعات عديدة، بينها الحرب الأهلية الصومالية وحرب الاستقلال الإريترية وحرب استقلال جنوب السودان والنزاعات المتقطعة بين إريتريا وإثيوبيا، والاضطرابات الداخلية المستمرة في السودان وإثيوبيا. ولا تزال إريتريا الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تشهد حربا أهلية، وذلك بفضل القبضة الحديدية للرئيس أسياس أفورقي، الذي حكم لأكثر من 3 عقود. لعبة صفرية وبرز القرن الأفريقي بوصفه منطقة جذب لانعدام الأمان والاستقرار، إذ يعاني السودان وإثيوبيا حاليا اضطرابات مدنية جسيمة. ورأى الكاتب أن احتمال التوصل إلى تسوية لوقف إطلاق النار بطريق المفاوضات وإلى مسار لمفاوضات السلام في السودان ضئيل، فقد أمسى الصراع بين طرفين فاعلين، وهما الجنرال عبدالفتاح البرهان والجنرال محمد حمدان دقلو المشهور باسم «حميدتي»، لعبة محصلتها «صفرية». وفي إطار السعي إلى السلام والاستقرار والأمن، يقول الكاتب «يجب على أسد نوبي مهيمن أن يحكم الخرطوم بقبضة من حديد، طارحا أي أجندات لسياسات مثالية جانبا، وإذا استمر الصراع، فقد يكون مسار السودان مماثلا لمسار ليبيا، فينضم بذلك إلى البلدان الإفريقية المضطربة، مثل الصومال وليبيا وتشاد والكونغو. انقلابات معتادة وأشار الكاتب إلى أن الانقلابات العسكرية في السودان معتادة شأنها شأن الانتخابات الديمقراطية في الغرب، إذ شهدت الدولة 35 انقلابا عسكريا منذ حصولها على الاستقلال عام 1956، وحافظ عمر البشير، أنجح ديكتاتور سوداني، على قبضته على السلطة لما يقرب من 3 عقود، إذ تفوق في فن القيادة الاستبدادية. ووفق الكاتب، تلاعب البشير بالمشهد السياسي باستمالة الأجهزة الأمنية وممارسة القمع الوحشي والاستغلال الاستراتيجي لمؤسستين متعارضتين، ألا وهما القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي تأسست بمعرفة قطاع المخابرات السوداني عام 2013 بغية معاملة سكان منطقة دارفور بوحشية وإخضاعهم، ورغم افتقار حميدتي للتدريب العسكري الرسمي، فقد سطع نجمه قائدا لأقوى قوة شبه عسكرية في السودان. وأضاف «لا يحتفظ الحكام المستبدون الأذكياء كالبشير بالسلطة لما يقرب من 3 عقود دون أن يتحلوا بفطنة سياسية وعسكرية، فقد شكل عمدا قوات الدعم السريع ليتحصن بها ضد التهديدات المحتملة من القوات المسلحة السودانية». صراع عرقي وقال الكاتب «يبدو أن الصراع العرقي والإقليمي المستمر في إثيوبيا، بين رئيس الوزراء أبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيغراي وجماعتي الأورومو والأمهرة العرقيتين، انتهى رسميا على الورق بالتوقيع على اتفاقية نيروبي الواهية في 12 نوفمبر 2022. ورغم ذلك، فقد أخفقت التسوية في تحقيق الاستقرار، أن الصراع العرقي والإقليمي المستمر بين الأمهرة والأورومو والتيغرانيين وحركة الشباب المنبعثة من جديد، ينذر بتفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إثيوبيا. وفي حين أن أبي أحمد استطاع الحيلولة دون انقسام إثيوبيا عن طريق وقف الأعمال العدائية مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لا تزال الكراهية العرقية تغلي في الصدور. وأفضت مفاوضات السلام الفاشلة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير الأورومو إلى تفاقم الأوضاع، لا سيما بالنظر إلى العدد الكبير لسكان الأورومو الذين يشكلون 36% من سكان الدولة، وفي الوقت ذاته، تصارع إدارة أبي أحمد ميليشيات الأمهرة، يذكر أن الأمهرة هي ثاني أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، إذ تضم 24.1% من السكان. معاناة الصومال وعانى الصومال الأمرين دون حكومة مركزية لمدة 3 عقود، إذ شنت حركة الشباب الإرهابية تمردا أثار قلقا كبيرا لكل من الصومال وإثيوبيا، إذ يشترك البلدان في حدود طولها 1024 ميلا (1647.9 كلم). وحذر الكاتب من أن القرن الأفريقي يتأرجح على حافة عدم الاستقرار منذ أمد بعيد، وإذا استسلم السودان وإثيوبيا لهذا المصير، فستواجه المنطقة مستقبلا قاتما على مدى عقود، والانهيار المحتمل لهاتين الدولتين اللتين يتجاوز عدد سكانهما إجمالا 170 مليون نسمة، يحمل في طياته تبعات وخيمة ستطال الممر الاقتصادي الدولي على طول البحر الأحمر، مما سيؤثر على الشرق الأوسط وأوروبا، ويكثف أزمات الهجرة في شرق وشمال أفريقيا. أرقام مهمة: 170 مليونا عدد سكان السودان وإثيوبيا. 35 انقلابا في السودان من عام 1956. 30 عاما حكمها عمر البشير بسبب قبضته القوية. 2013 ظهور قوات الدعم السريع في المشهد. %36 نسبة سكان الأورومو في إثيوبيا. ماذا يحدث في حال انهيار السودان وإثيوبيا؟ تبعات وخيمة تطال الممر الاقتصادي الدولي على البحر الأحمر. تأثير سلبي كبير يدفع ثمنه الشرق الأوسط وأوروبا. أزمات هجرة طويلة يعيشها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مشاركة :