يؤكد المتابعون للشأن التربوي في تونس أن مسألة الاكتظاظ داخل الفصول مشكلة تنضاف إلى مشاكل أخرى تعاني منها المدرسة التونسية، مؤكدين أنه لا تتوافر حاليا حلول لهذه المشكلة بالنظر إلى الوضعية المالية للدولة، كما أن الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم لم تتطرق إلى هذا الإشكال وهو ما سيزيد من معاناة الأسر التي تضع رهانا كبيرا على هذه الاستشارة. تونس - تتكرر مع بداية كل عام دراسي معضلة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية بالمدارس التونسية لتنطلق رحلة البحث عن كرسي لحضور الدرس في فصول الابتدائي كما في الإعدادي والثانوي، ما يحد من تركيز الطلاب ويصعب عليهم عملية الفهم. ورغم الإحداثات الجديدة التي قامت بها وزارة التربية وأشغال التوسعة فقد يتواجد داخل عدد من الفصول ما يزيد عن 45 تلميذا، خاصة في السنوات الأولى ابتدائي، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى نجاعة العملية التربوية داخل الفصل. هذه الوضعية دفعت العديد من الأسر إلى إطلاق صيحة فزع أكدت من خلالها أن الحصص التعليمية تنطلق بعد نصف ساعة من الوقت جراء البحث عن مقعد حتى يتسنى لبعض الطلاب تلقي الدروس، مشيرة إلى أن هذه المعضلة تسجل حضورها في المدارس الابتدائية وخاصة في الإعداديات والثانوي. وقالت مليكة الزغلامي (40 عاما)، أم لتلميذة تدرس بالسنة الثانية ابتدائي بمدرسة حي التضامن، إن مسألة الاكتظاظ داخل الفصول أرقت الطلاب والمربين على حد السواء، مشيرة إلى أنه في السنة الماضية لم يعد الفصل يتسع للطاولات ما أدى إلى اشتراك أكثر من تلميذين في نفس الطاولة. وفي العام 2016، نشر مرب بالمدرسة الابتدائية "حي التضامن 2"، "مجموعة من الصور لتلاميذ قسم السنة الأولى الذين ظهروا في حالة اكتظاظ". ولا يُعدّ هذا القسم هو الوحيد في تلك المدرسة، بحسب المعلم الذي أنزل الصور، إذ أكد أنّ هذه الحالة متكرّرة خاصة في أقسام السنة الأولى ابتدائي، مشيرا إلى أنّهم في انتظار تكملة بناء قاعتين جديدتين قد تخففان من الاكتظاظ. عامر الجريدي: حلّ مشكلة الاكتظاظ ليس متوفرا حاليا لصعوبة الوضع المالي عامر الجريدي: حلّ مشكلة الاكتظاظ ليس متوفرا حاليا لصعوبة الوضع المالي وقال فاضل بن مختار، أب لطالب بالسنة السابعة أساسي، لـ"العرب" إن ظاهرة الاكتظاظ لا تقتصر على مدرسة دون أخرى أو فصل دون سواه بل هي موزعة على مختلف المؤسسات التربوية بالبلاد، وحتى الجهات الداخلية تعاني من هذه المعضلة والتي تعود حسب رأيه إلى زيادة عدد التلاميذ وتأخر أشغال بناء قاعات الدروس ونقص الميزانية المضبوطة لكل مؤسسة تربوية، وهي مشكلة معقدة وتحتاج إلى الدراسة. وبما أن معضلة الاكتظاظ ستتفاقم من سنة إلى أخرى (بالنظر إلى ارتفاع عدد الطلاب كل سنة)، يرى المتابعون للشأن التربوي أنه يتعين، والاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم قد أطلقت، التفكير جديا في حل جذري لهذه المعضلة بعيدا عن مشاريع التوسعة والبناء التي تقتضي تكاليف تتجاوز بأشواط ميزانية وزارة التربية، وعدا ذلك فإننا سنجد خلال السنوات القادمة أقساما غير قادرة بالمرة على استيعاب التلاميذ. وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن اكتظاظ الأقسام أو الفصول مشكلة لكن ليس هو وحده مشكلة التعليم في تونس، مشيرا إلى أن هناك مشكلة الأداء التعليمي، والتحصيل الأخلاقي والمعرفي، والدروس الخصوصية، والتعليم الخاص الذي أصبح ملاذ الميسورين لإنقاذ أبنائهم، والمتاهة الرقمية، وغياب الحياة الثقافية والرياضية في المدرسة، وهي كلّها عناصر في منظومة التعليم تنتظر الحلّ من الدولة بالأساس، ولكن بالتكافل مع المجتمع المدني وقطاع الإعلام. وأضاف لـ"العرب" أن حلّ مشكلة الاكتظاظ وباقي مشاكل المدرسة ليس متوفرا بالكامل حاليا بالنظر للوضع المالي للدولة بعد عشرية من العبث بمقدراتها وصورتها. أمّا عن الاستشارة الوطنية الإلكترونية حول التعليم، فهي ليست إلا مبادرة تشريكية من الدولة في الإدلاء بالرأي بشأن بعض محاور المنظومة التعليمية، وهي لم تتعرض إلى مسألة الاكتظاظ مثلما لم تتعرض إلى مسائل إستراتيجية أخرى والتي تنتظر تفاعلا إيجابيا بين الدولة والمجتمع المدني وقطاع الإعلام، بالنظر إلى أنهما أصبحا عاملين مؤثرين في تربية التلاميذ وفي التربية الاجتماعية عموما. ومسألة الاكتظاظ داخل الفصول لم تشتك منها الأسر فحسب بل أثرت أيضا على أداء المدرسين، وخصوصا في الجهات الداخلية، الذين عبروا عن رفضهم لها من خلال وقفات احتجاجية نظموها في المدارس. ومنذ عامين تعطّلت الدّروس بالمدرسة الابتدائية ابن خلدون بمدينة سيدي بوزيد على خلفية احتجاج الكادر التّربوي بسبب الاكتظاظ في الأقسام وارتفاع عدد التلاميذ في المدرسة وفي كل قسم. وقال المربي بالمدرسة الابتدائية ابن خلدون بمدينة سيدي بوزيد رفيق عجمي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إن مندوبية التربية قد طالبت بفتح ثلاثة فصول لفائدة 139 تلميذا سنة أولى، مع العلم أنّه يوجد بالمدرسة 11 فصلا يصل عدد التلاميذ فيها إلى 700 تلميذ. وطالب الكادر التربوي بالمدرسة الابتدائية ابن خلدون المندوبية الجهوية للتربية بالالتزام بتعهداتها حول بناء قاعة جديدة لتخفيف عدد التلاميذ الذي يتراوح بين 37 و39 تلميذا بكل فصل، وأضاف أنّه يتوجب على المندوبية الجهوية للتربية إيجاد حلول تسمح بالتدريس في ظروف جيدة. كما انطلق الكادر التربوي بالمدرسة الابتدائية بئر الحفي في ولاية سيدي بوزيد، في تنفيذ وقفات احتجاجية يوميا من الساعة الثامنة إلى العاشرة صباحا، بمشاركة أولياء التلاميذ، احتجاجا على حالة الاكتظاظ التي تعاني منها الأقسام. ◙ مسألة الاكتظاظ داخل الفصول لم تشتك منها الأسر فحسب بل أثرت أيضا على أداء المدرسين، وخصوصا في الجهات الداخلية وفي تصريح لمراس، وهي إذاعة محلية خاصة، أكد الكاتب العام للنقابة الأساسية للتعليم الأساسي ببئر الحفي معمر اليوسفي، أن ثلاثة أقسام يوجد بكل واحد منها أكثر من 40 تلميذا، خاصة السنة الأولى. واعتبر المتحدث أن هذا الأمر لا يستقيم، حيث أصبحت الطاولة الواحدة تضم أربعة تلاميذ وهو أمر غير معقول، وفق تعبيره. وأفاد اليوسفي بأنه ورغم إحداث مدرسة جديدة إلا أن الوضع بقي على حاله، وحمّل الإدارة الجهوية للتربية بسيدي بوزيد المسؤولية عن ذلك، خاصة وأن الفضاءات متوفرة. وبخصوص التحركات الاحتجاجية، أوضح معمر اليوسفي أن 40 معلما احتجوا وسيحتجون يوميا، مبينا أن 740 تلميذا لم يباشروا الدروس بسبب الوقفة الاحتجاجية. وطالب بوضع حد للاكتظاظ عبر حل الأقسام والتخفيف من طاقة الاستيعاب حتى يتسنى للطلاب تقبل الدروس بسلاسة وفي أفضل الظروف. ومسألة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية مسألة متوقعة بالنسبة لخبراء التربية على اعتبار أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد االطلاب المسجلين بالمدارس، وهذا الارتفاع تدركه وزارة التربية وهي رصدته من خلال دراسة أنجزتها في 2019 أشارت فيها إلى أن عدد الطلاب سيرتفع خلال العشر سنوات المقبلة بزيادة تقدر بـ500 ألف تلميذ، مما يقتضي استثمارات تناهز 1.5 مليار دينار لبناء 550 مؤسسة تربوية جديدة أي بمعدل 50 مؤسسة كل عام، وفقا لتوقعات الوزارة.
مشاركة :