أوضحت زيارتي لمعرض جديد في متحف التصميم بلندن أن رائحة رسائل البريد الإلكتروني أشبه برائحة خشبية تنبعث منها نفحة العرعر القوية. أو ربما هي، كما يقول كريستيان ويدليك: القوة الكامنة وراء العرض الاندماجي «رائحتها نظيفة ومنعشة». ويستهدف العرض على ما يبدو «استحضار الوضوح» و«تغيير الحالة المزاجية والعقلية». قد لا يكون ذلك هو ما يربطنا برسائل البريد الإلكتروني بشكل منتظم، وقد تستغربون حيال السبب الذي يدعوني لأن أشتم رائحة رسائل البريد الإلكتروني، لكن هذا يأتي ضمن تجربة العرض التفاعلي التي يخوضها الزوار لدى دخولهم عبر مظروف عملاق أصفر اللون. وتستعرض التجربة تاريخ وسيط التراسل الذي يتجاوز عمره أكثر من 50 عاماً، فضلاً عن المرور باختبار شخصي والدخول إلى غرفة التفكير؛ وتتم دعوة الزوار للتمعن في مستقبل البريد الإلكتروني. يقول كريستيان ويدليك: «نحن مهووسون بالبريد الإلكتروني، وأردنا مشاركة هذا الهوس مع الجميع». وقد لا يكون هذا مفاجئاً نظراً لأنه أيضاً المدير الإبداعي لمنصّة التسويق عبر البريد الإلكتروني Intuit MailChimp، راعي العرض. ورغم أنّ المعرض يحمل اسماً استفزازياً هو «موت البريد الإلكتروني»، إلا أنه بمثابة تذكير بقوة بقاء أداة التواصل هذه وتاريخها. ورغم أنه لا تزال ثمَّة مناقشات ساخنة حول هوية المخترع الفعلي للبريد الإلكتروني، إلا أنه من المؤكد أن الملكة إليزابيث الثانية كانت أول زعيمة دولة ترسل بريداً إلكترونياً، حيث استخدمت شبكة أربانيت (باكورة الشبكات الحاسوبية العامة) للقيام بذلك خلال فعّالية أقيمت في 1976. وكرئيسة للنشرات الإخبارية لجريدة فايننشيال تايمز، فقد لا تتفاجؤون عندما تعلمون أنني أعتقد أن البريد الإلكتروني سيستمر لفترة طويلة في المستقبل. والبيانات تدعم توقعاتي: فهناك نحو 4.3 مليارات مستخدم للبريد الإلكتروني في العالم، وهو رقم من المتوقع أن يبلغ 4.7 مليارات بحلول 2026، فيما يتوقع أن تصل إيرادات التسويق عبر البريد الإلكتروني إلى 8.7 مليارات جنيه إسترليني بنهاية العام. وبينما قد لا تكون رسائل البريد الإلكتروني براقة وعصرية، لكنها تبقى موثوقة ومعهودة، ما يبقيها مفيدة. فمن الذي تعرفه ولا يستخدم البريد الإلكتروني؟ بالطبع، مثل أي موظف في الخمسينيات من عمره، فإنّ ثمَّة أخطاء ترتكب بين حين وآخر. كأن تمتلئ صناديق البريد الوارد، وفي بعض الحالات كان من الأفضل استخدام الهاتف، كما أن استخدام زر «الرد الجماعي» قد يقود أحياناً إلى كوارث. وقد تتذكرون حالة الفوضى التي نجمت عن رسالة البريد الإلكتروني التي أُرسلت بالخطأ إلى جميع موظفي هيئة الخدمات الصحية بإنجلترا صباح أحد أيام الاثنين في 2016. والتي حملت عناوين البريد الإلكتروني لنحو 840 ألف موظف، وقد قدم العديد منهم شكاوى في هذا المجال. ولم تكن هذه الواقعة الكارثية الوحيدة، لذا يفضل التحقق دائماً من عنوان الشخص/ الأشخاص الذين لديهم رسائل البريد الإلكتروني بعناية. وقبل بضعة أشهر فقط، تم الكشف عن أن وزارة الدفاع البريطانية اضطرت إلى إجراء تحقيق إثر إرسال رسائل بريد إلكتروني تحتوي على معلومات سرية إلى مالي، بدلاً من البنتاغون؛ إذ أسقط المسؤولون عن طريق الخطأ حرفاً واحداً ( i) من عنوان بريد إلكتروني، مما تسبب في أن الرسائل أُرسلت إلى النطاق ML الخاص بدولة مالي بدلاً نطاق MIL للجيش الأمريكي. رغم تلك الحوادث المؤسفة، لم يظهر لنا بديل حقيقي حتى الآن للبريد الإلكتروني، إذ لم يقتصر دوره على استبدال الرسائل كوسيلة رئيسية للتراسل ونقل الأخبار، وإنما أصبح أيضاً مصدراً للتعليم والإلهام، وللترويج للفعاليات، بل وأصبح أداة للتحقق من هويتنا الشخصية. كما يبقى أرشيف المراسلات موجوداً بصندوق الوارد لديك، ويظل قابلا للبحث فيه بسهولة. وتعد النشرات الإخبارية إحدى الطرق التي تَطَوَّر بها البريد الإلكتروني. وأنا بالتأكيد من محبيها، فطبيعتها تساعد في بناء علاقات بين القراء والكُتّاب، وسرعان ما قد يتحول ذلك إلى عادة. مثلاً مشروع «ذا مِل» الذي انطلق بمانشستر في 2020 بعد أن أصيب مؤسسه جوشي هيرمان بخيبة أمل بسبب «ضحالة الصحافة المحلية»، لقد قدر المشروع حديثاً بمبلغ 1.75 مليون جنيه إسترليني، وتلقى استثمارات من مجموعة تضم مارك طومسون، الرئيس الجديد لشبكة سي إن إن. يقول هيرمان: «انتقلت إلى النشرات الإخبارية لأنها كانت رخيصة وسهلة للغاية. وأثارت الانتباه، كما تتجلى قوتها في مدى تفاعلها وقدرتها على تقريبك من الجمهور». أما عن كم من الوقت سيستمر هذا، يبقى الأمر مطروحاً للنقاش. إذ من المؤكد أن تطبيقات مثل سناب شات وتيك توك وإنستغرام آخذة في الانتشار بشكل أكبر بين الأجيال الشابة، التي لا تشكل سلاسل الرد الجماعي أهمية كبيرة بحياتهم، لكن نجاح البريد الإلكتروني يكمن في الطريقة السلسة التي أرسى بها نفسه في كل مرحلة من مراحل الحياة: فعنوان البريد الإلكتروني خلال الدراسة في المدرسة يتبعه بسرعة عنوان بريد جامعي، ثُم عنوان بريد إلكتروني مهني. وبعبارة أخرى، البريد الإلكتروني لم يمت. بل هو حي في كل مكان. * لقراءة المقال الأصلي في فاينانشال تايمز إضغط هنا طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :