التداعي وكتابة السيرة الذاتية - أ.د.صالح معيض الغامدي

  • 9/29/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يلعب التداعي بشتى أنواعه دورا مهما في كتابة السيرة الذاتية، وقد يكون في بعض الأحيان المحفز الرئيس لاستدعاء كثير من أحداث الحياة وتجاربها ولحظاتها الحلوة والمرة التي عاشها الكاتب. فكاتب السيرة الذاتية ربما يكون قد دوّن بعض الأحداث أو سعى إلى تذكرها بربطها ببعض الأماكن والأزمنة والشخصيات أو أنها أحداث رئيسة لا يمكن أن تخفق الذاكرة في استرجاعها مثل اليوم الأول لدخول المدرسة، أو اقتناء دراجة، أو التخرج من مراحل الدراسة، أو الزواج، أو أول وظيفة حصل عليها، أو بعض الأحداث القاسية مثل وفاة الأب أو الأم….. إلى آخره. لكنه قد لا تسفعه الذاكرة باسترجاع بعض التجارب العرضية التي قد تختفي في ثنايا هذه التجارب الرئيسة الكبرى، فيسفعه التداعي بتذكرها وهو يقوم بعملية الكتابة، فتتداعى إليه الأحداث والمواقف والتجارب والصور بطريقة لم تكن تخطر له على بال عندما قرر كتابة سيرته أول وهلة. فاليوم الأول لدخول المدرسة على سبيل المثال يجعله يستدعي الفصل والطلاب والأساتذة والكتب، والثواب والعقاب ، واستدعاء كل ذلك يجعله يستدعي كل ما هو مرتبط في وعيه أو لاوعيه بهذه المكونات جميعا بطريقة تصويرية تهتم بكثير من التفاصيل الدقيقة المرتبطة بها ، وهكذا مع بقية العناصر أو المكونات الحياتية الأخرى. هذا فيما يتعلق بالاستدعاء أو التداعي المنظم، أما التداعي غير المنظم فهو في الغالب يكون حرا ولا يمكن تنظيمه لتحفيز الذاكرة كما رأينا في النوع الأول، ويقوم عادة على عدة مباديء مثل التشابه والتضاذ ، فحادثة واحدة تستدعي نظيراتها أو مخالفاتها أو مقابلاتها أو مجاوراتها … إلى آخره. وعادة ما يُقدّم هذا النوع من التداعي إلى القاريء بعبارات من مثل : « وما دام الشيء بالشيء يذكر» أو « والحديث ذو شجون « أو «ومما يشبه هذا» أو «ومما يخالف هذا» إلى آخر هذه العبارات المتنوعة . وقد يكون جمال السيرة الذاتية وجاذبيتها في بعض الأحيان مرتبطين إلى حد كبير بهذا الأسلوب من التداعي، ولعل سيرة أسامة بن منقذ الذاتية « كتاب الاعتبار «خير شاهد على هذا، وتوظيف الاستدعاء والتداعي في السيرة الذاتية يأتي متفاوتا في مقداره ، فيمكن الاتكاء عليه كثيرا واعتماده أسلوبا رئيسا لكتابة السيرة الذاتية، ويمكن التوسط في توظيفه، كما يمكن توظيفه في أماكن محددة من السيرة الذاتية. هذا بالنسبة للتوظيف الواعي، أما التوظيف غير الواعي لهذا الأسلوب فيصعب على الكاتب تعقبه والتحكم فيه، ولكن يمكن للناقد أو القارىء المدقق تلمسه في نصوص السيرة الذاتية بفطنته ودربته أو بالاستعانة ببعض معطيات ما يسمى في علم النفس بعلم نفس التداعي Association Psychology.

مشاركة :