خطيب المسجد النبوي يوصي باستيعاب آلام الذين يئنّون وتهدئة روع النفوس المثقلة بالجراح

  • 9/29/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بروفايل ـ واس ـ المدينة المنورة تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباريء بن عواض الثبيتي، عن قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته التي تتجلّى في خلق هذا الكون الفسيح، ونظامه الدقيق، مبيناً أن العقل البشري لا يدرك سوى الشيء اليسير من ملكوت السماوات والأرض، أما ما يخفى على الإنسان من صُنع الله جلْ جلاله فهو أكثر إعجازاً وإبهاراً وإبداعاً. واستهل فضيلته خطبة الجمعة بحمد الله تعالى، ومذكراً أن من يقلّب ناظريه في هذا الكون الفسيح يقف مدهوشاً وهو يرى الجلال والجمال والكمال والنظام والانسجام في كون لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي أسراره، والقرآن يحُثّ على التدبّر والتفكّر في ملكوت السماوات والأرض، قال الله تعالى: “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ”. وقال الشيخ الثبيتي: “وترى في كل يوم إعجازاً وإتقاناً؛ ليل يجيء ونهار يذهب، ونهار يجيء وليل يذهب، في حركة دائبة وجريٌ لا يقرّ، ولم تقل البشرية يوماً منذ بدء الخليقة تأخر الليل عن المجيء في وقته أو طلوع الشمس قبل موعدها، فمن يدبّر الأمر، ومن ينظّم الحركة في تعاقب لا يختلّ، وتبادل مواقع لا يتوقف”. وأوضح الشيخ الدكتور عبدالباريء الثبيتي، أنه لو اجتمع الخلق كلهم على أن يأتوا بالليل في موضع النهار أو بالنهار في موضع الليل، ما استطاعوا، يقول سبحانه: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ”. وبيّن خطيب المسجد النبوي أن الليل يسدل أستاره بضياء القمر اللطيف الهادئ ليحقق السكون والهدوء، والشمس تضيء الدنيا كلها بسراج وهاج، تبثُّ في الكون الحياة وفي النفوس النشاط للمعاش والأعمال، ولتزهر الحياة، ويسعد الأحياء؛ وفي معرض الإعجاز والإبداع؛ يقول تعالى: “والشمسُ تَجْري لِمُستقرٍ لَهَا” مبيناً أن حركة الشمس جريٌ هادئ غير مضطرب وغير محسوس، ويقول سبحانه: “والقمَرَ قدَّرناهُ مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيم”. وأوضح أنه قُدِّر للقمر منازل وأزماناً يمرُّ بها حتى يصير هلالاً دقيقاً، حتى أنه لا يكاد يرى من فرط دقته، وانحنائه بانتظام بالغ، فمن خلقهما ومن أودع فيهما النور الضياء، ومن حفظ سيرهما ومسارهما، ومن يدبر أمرهما صباح مساء، سبحانه ما أعظمه، “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ”. وتابع فضيلته مذكراً أنه في صفحة أخرى من صفحات هذا الكون الذي يبهر العقل ويثير الدهشة، يقول سبحانه “وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا”، خلق الله البحر على هذه الصفة العظيمة، وجعله ميسراً للانتفاع، قابلاً لحمل المراكب، وألهم الإنسان صنع المراكب على كيفية حفظها من الغرق في عباب البحر، وعصمهم من توالي الرياح والموج في أسفارهم، إنه تقدير قادر ونظام خالق. وبيّن الشيخ عبدالباريء الثبيتي، أن العين لا تخطيء ذلك المنظر البهيج، البساط الأخضر الذي يغطي اليابسة، نجد النبات وقد وشح الأرض بأجمل الألوان، وكساها بأبهى الأغصان، ونرى ثماراً مختلفة تسقى بماء واحد، يفصّل الله بعضها على بعض في الأكل، وتقف البشرية مذهولة أمام كون غاية في الإبداع والإعجاز الإتقان، وما يزال الحقُّ سبحانه يكشف للناس شيئاً من أسرار الكون وآياته وباهر صنعته في كل أمة ومكان وفي كل عصر وزمان، لتقوم الحجة وتظهر المحجة إلى قيام الساعة، أما الأرض فيرى كل من مشى عليها عظمة خلقها، مهادها ومدّها واستقرارها، أنهارها وعيونها وجبالها الشامخة الدراسية، وهوائها النقيّ الذي به تنتعش الأنفاس، ولو تعطل لحظات لعطبت الحياة وفنى الخلق، لكنها رحمة الله التي تحفّنا وحفظنا في يقظتنا ونومنا، ذلك ظاهر ما نرى، فكيف بباطن ما لا نراه، وهو أكثر إبداعاً وإعجازاً. وتابع فضيلته قائلاً : “ولكي ندرك رحمة الله بحفظ الأرض واستقرارها، فلننظر إلى أثر الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تحدث للحظات، ثم نتأمل ثبات الأرض على مدار الحياة كلها وعبر العصور وتعاقب الأجيال، من الذي أرساها لكيلا تميد، وثبتها حتى لا تضطرب، فهذه الزلازل والأعاصير والفيضانات جارية في نظام سنن الله في الكون لحكمة لا نعلمها، وهي رحمة من رب العالمين، وإسقاط هذه الأحداث على قوم بعينهم في زمن بعينه على أنها عقوبة، رجماً بالغيب، وافتئات على الشرع، فقد يكون البلاء تنقية أو تطهيراً أو اصطفاء وتكريماً، وقد تجتمع كلها”. وبيّن الشيخ الثبيتي، أن البلاء له صنوف وأحوال، فقد يبتلى أقوام بأشد مما ذكر، من فقد الأمن، وعلو صوت الرصاص بالحروب، وتفشى الظلم، واشتداد القتل والأوبئة والأمراض. وذكر، إن واجب الوقت الذي لا محيد عنه ولا يتقدمه غيره في مثل هذه الأحوال، النصرة والدعم والمؤازرة والإغاثة، وتقديم كل ما يمكن من مواساة بالقليل والكثير، واستيعاب آلام الذين يئنّون، وتهدئة روع النفوس المثقلة بالجراح، ورفع الهمم، وشحذ المعنويات، والكلمة الطيبة التي تكون بلسماً يضمد الجراح، ويمسح الأحزان، وذلك من قيم التراحم والتضامن، والتكافل الذي ربّانا عليه الإسلام. وأشار فضيلته إلى ما تبذله المملكة من دعم ومساندة في إغاثة المتضررين ومساندتهم والتخفيف من مصابهم، مبيناً أن قيادة هذه البلاد تعدّ النموذج المحتذى في النصرة والدعم، بفتح القنوات الرسمية وتسيير قوافل الإغاثة براً وبحراً وجواً، يعزز ذلك شعب معطاء، يبذل بسخاء، ولا يغيب عن الأذهان النصوص الشرعية التي تؤكد حفظ الله للمنفقين، وتفريج كربة من فرّج كرب المكروبين وقضى حوائج الناس. واختتم فضيلته الخطبة مذكراً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج – وهو القتل – حتى يكثر فيكم المال فيفيض”.

مشاركة :