أدلى الرئيس الأميركي باراك أوباما بتصريح هذا الأسبوع انتقد فيه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قائلا إنه مشغول "بجملة أمور أخرى" بعد قصف ليبيا. وإنه على الرغم من أن مثل هذه الانتقادات نادراً ما تحدث، يظل التحالف القائم بين الولايات المتحدة وبريطانيا قوياً، كما أن الخلافات، سرية كانت أم جهرية، يُعبَّر عنها بلغة مواربة. وما أن بدأ الرأي العام يتساءل عن دوافع هذه الانتقادات حتى سارعت الإدارة الأميركية إلى تدارك ثورة رئيسها بأن ظل البيت الأبيض يبعث برسائل إلكترونية تؤكد مدى احتفاء الرئيس بالعلاقة الخاصة مع بريطانيا. لقد كان الغضب عارماً في أروقة رئاسة الوزراء في بريطانيا المعروفة أيضاً باسم (10 دوانينج ستريت)، ما دفع واشنطن لإبداء هذا "التزلف". ويحاول ديفيد كاميرون أن يظهر للناخبين البريطانيين في الاستفتاء المقبل حول بقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي أن زعامته تمتد إلى أوروبا وأميركا، وأن وضع قدم في معسكر يضمن له موطئ قدم في المعسكر الآخر. وأن ما أراد أوباما قوله هو أن أقرب حلفائه الأوروبيين، وتحديدا كاميرون، لا فائدة تُرجى من ورائه. ومن أمثلة تقاعس أوباما عن قيادة العالم أنه ما فتئ يؤكد أنه اختار ألا يقود. ففي عام 2012 أعلن أن الرئيس بشار الأسد إذا تجرأ على استخدام أسلحة كيميائية في سورية فإن ذلك يُعد "خطا أحمر" للولايات المتحدة. ومع ذلك تجاوز الأسد ذلك الخط فقتل المئات، لكن أوباما قرر حينئذ النكوص عن تهديده ذاك. ومنذ ذلك الحين لم تعد أميركا موضع ثقة وتمكن الأسد من السلطة أكثر. وإبان ثورات الربيع العربي دعا أوباما الرئيس السوري إلى التنحي، وعندما أظهر "الطاغية" أنه ماضٍ في تصرفاته قرر أوباما "العفو عنه". يبدو أن الولايات المتحدة تخلت عن الأدوات التي تملكها في التأثير على مستقبل سورية لمصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا يتردد عن قصف كل الناس. أضف إلى ذلك أن أوباما ظل منشغلاً بقضية التغيُّر المُناخي، وبرر ذلك بأن الاشتغال بإنقاذ كوكب الأرض لا يترك للمرء مجالاً للتصدي لقتلة من أمثال مسلحي تنظيم داعش. ولتلك الأسباب جميعها لم يضطلع زعيم العالم الحر طيلة الأعوام الثمانية الماضية بقيادة ذلك العالم، ولعل هذا هو الفرق الذي كان له تأثير على ميزان القوى العالمي.
مشاركة :