تونس – وصفت أوساط سياسية تونسية قرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الإضراب عن الطعام من داخل السجن بأنه حركة استعراضية يائسة تهدف إلى لفت الأنظار بعد تركه عربيا ودوليا وعدم تحرك أعضاء النهضة دفاعا عنه. وكان رئيس حركة النهضة، الذي حرص دائما على أن يبدو شخصية سياسية مهمة، يعتقد أن ضغوطا كثيرة سيتم تسليطها على الرئيس التونسي قيس سعيد لإطلاق سراحه، لكن الدول التي كان يراهن على أنها ستهبّ للدفاع عنه وستتبنّى قضيته قد تخلت عنه تماما. لكن القلق الأكبر بالنسبة إلى الغنوشي يأتي من حركة النهضة التي لم تتحرك ولم تتظاهر لإطلاق سراحه، واكتفت ببعض البيانات لتسجيل موقفها، وهذا ما يظهر وجود أزمة داخلية تتعلق بالموقف من الغنوشي، وأن وجوده في السجن لم يلغ الخلافات بشأن استمراره على رأس الحركة. نبيل الرابحي: الغنوشي خسر المؤيدين والعمق الشعبي والدعم في الداخل والخارج نبيل الرابحي: الغنوشي خسر المؤيدين والعمق الشعبي والدعم في الداخل والخارج وسعى شق كبير من أعضاء النهضة إلى الدفع نحو عقد المؤتمر الحادي عشر والاستفادة من وجود الغنوشي في السجن لاختيار رئيس جديد بدلا منه بعد أن فشلت محاولات انتخاب قيادة جديدة في السنوات الماضية بوجوده وفي ظل سيطرته على القرار في الحركة. ويدفع هذا الشق إلى الحوار مع السلطة والتهدئة معها ويحمّل الغنوشي مسؤولية التصعيد. ويرى أن الوقوف في وجه مسار 25 يوليو خطأ كبير، وأن الاستمرار فيه قد يكلّف الحركة الكثير من الخسائر ليس أقلها تفكيك نفوذها في الإدارة وفتح ملفات ضد عناصرها التي شغلت مواقع متقدمة في الدولة. وفي ظل شعور الغنوشي بالتهميش في السجن حيث يبدو أنه كان يتوقع أنهم سيضغطون لأجله، لم يبق له إلا استخدام الإضراب عن الطعام ولمدة محدودة كورقة دعائية. وقال المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي إن “الغنوشي خسر كل المؤيدين وخسر العمق الشعبي والدعم في الداخل والخارج، فضلا عن وجود انقسامات داخل الحركة”. وأضاف الرابحي في تصريح لـ”العرب”، “لم نر أحدا في الشارع يساند الغنوشي بعد سجنه، وهذا ما يؤكد أن الرجل انتهى سياسيا وكرمز مؤسس لحركة النهضة”. وبدأ الغنوشي إضراباً عن الطعام لمدة ثلاثة أيام الجمعة للتنديد باعتقاله والتعبير عن “دعمه” لـ”السجناء السياسيين” الآخرين، حسب ما أفاد حزبه. وقال عماد الخميري المتحدث باسم حركة النهضة إنّ الغنوشي قرّر الإضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام في مواجهة الملاحقات القضائية “من دون سند ضدّ المعارضين”. كما أشار إلى أنّ هذا الإضراب يأتي “دعماً للإضراب عن الطعام الذي بدأه جوهر بن مبارك”، وهو معارض يساري معروف وقيادي في جبهة الخلاص المعارضة. وبن مبارك، الذي يعدّ من أشدّ منتقدي الرئيس قيس سعيّد والموقوف منذ 24 فبراير، يخوض إضراباً عن الطعام منذ أربعة أيام للتنديد باعتقاله “الظالم”، وفق شقيقته المحامية دليلة مصدق. ويرى مراقبون أن حركة النهضة لم تعد قادرة على تحريك الشارع للاحتجاج ضد الرئيس سعيد، ولهذا يبحث البعض من قادتها عن العودة إلى أسلوب تحرك المعارضة في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي من خلال إضراب الجوع وإصدار بيانات سياسية وتوزيعها على وسائل الإعلام الأجنبية لتأكيد الحضور في المشهد. ناجي جلول: الغنوشي يسعى لكسب التعاطف الشعبي باستعادة خطاب المظلومية ناجي جلول: الغنوشي يسعى لكسب التعاطف الشعبي باستعادة خطاب المظلومية وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي في تصريح لـ”العرب” إن الإضراب عن الطعام “رسالة إلى الأنصار والرأي العام، والغنوشي يريد أن يقول إنه موجود لكسب التعاطف الشعبي، ومثلما كسبت النهضة تعاطفا كبيرا عبر خطاب المظلومية في 2011، ها هي الآن تعتمد نفس الخطاب”. وتم توقيف الغنوشي في أبريل الماضي بعدما أعلن أنّ تونس ستكون مهدّدة بـ”حرب أهلية” إذا تمّت تصفية الأحزاب اليسارية أو ذات التوجه الإسلامي مثل حزبه. وفي 15 مايو، حُكم عليه بالسجن لمدة عام بتهمة “تمجيد الإرهاب” في قضية أخرى. كما يواجه الغنوشي اتهامات بالتآمر ضد أمن الدولة. ويقبع أكثر من 20 شخصية معارضة في السجن الكثير منها بشبهة التآمر على أمن الدولة. وقال رئيس “جبهة الخلاص الوطني” أحمد نجيب الشابي خلال مؤتمر صحفي الجمعة إن اضراب الغنوشي عن الطعام “رمزي ولمدة ثلاثة أيام ومساندة لبن مبارك” وهو معتقل “في ظروف صعبة”. وأعلن الشابي أن الجبهة ستنظم تحركات “احتجاجية وتضامنية” مع السياسي جوهر بن مبارك الموقوف في قضية ما يعرف بـ”التآمر على أمن الدولة”، ستبدأ الأسبوع القادم بوقفة تضامنية في العاصمة. وقال الشابي، في ندوة صحفية الجمعة، إن بن مبارك دخل في إضراب عن الطعام، دون تحديد المدة، احتجاجا على ما وصفه بـ”المماطلة” القضائية في هذه القضية، وهو ما يعرّض صحته لخطر كبير.
مشاركة :