ومنذ العام 2014، يشهد اليمن حرباً مدمّرة بين المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران والذين سيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى في البلاد، والقوات الحكومية المدعومة من السعودية، تسبّبت بمقتل وإصابة مئات الآلاف، وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وتبدو البعثة اليمنية المشاركة في الآسياد وكأنها الوجه الوحيد للوحدة في البلاد، بحسب رئيسها عبد الستار الهمداني الذي قال لوكالة فرانس برس "لم يعد في اليمن إلا اللجنة الأولمبية التي تعمل بشكل وطني، وأكبر دليل الدخول بعلم موحّد في الافتتاح". ويشير الهمداني، وهو رئيس اتحاد كرة السلة في بلاده، إلى أن الرياضة دفعت ثمن الحرب من خلال شحّ الدعم المادي، مع اقتصار المساعدات المحدودة على "اللجنة الأولمبية الدولية والمجلس الأولمبي الآسيوي". "أوتو ستوب" ويقول سعيد الخضر (19 عاماً) لفرانس برس إن "حبّ الرياضة يجري في عروقي. أعمل من الصباح حتى الثالثة عصرًا في توصيل قوارير الغاز إلى المنازل، ثم أذهب إلى المنزل، أستحم، وأذهب إلى تمارين الجودو على بعد 9 إلى 10 كيلومترات". ويضيف الخضر وهو أب لطفل وحيد، "غالبًا ما أعاني في المواصلات، فأضطر أن أوقف سيارة متوجهة إلى المكان نفسه أوتو ستوب". يضيف الشاب الفارع الطول "قبل شهرين، خصّص لي النادي حيث أتدرب، مبلغاً رمزيًا للمواصلات، لكنه ليس كافيًا، فأنا أدفع ثلاثة آلاف ريال يمني عملة عدن (دولاران أميركيان) يوميًا ذهاباً وإياباً". وأنتجت الأزمة سعري صرف للدولار في البلاد، إذ يساوي كل دولار نحو 520 ريالاً في صنعاء (الطبعة الجديدة)، فيما يصل الريال القديم إلى ثلاثة أضعاف ذلك السعر للدولار الواحد في عدن، المقرّ الموقت للحكومة اليمنية. ويؤكد سعيد أنه حاول ترك اللعبة بسبب صعوبة الاستمرار "منحت بدلة الجودو لشخص آخر، لأنني كلّ ما رأيتها في المنزل أتشوّق للعب. صمدت أربعة أو خمسة أشهر، ويومًا ما قادتني قدماي إلى النادي مجدداً، فاشتريت من جيبي الخاص بدلة جديدة بـ300 دولار". وتضمّ بعثة اليمن في الآسياد 32 شخصًا (10 لاعبين و8 لاعبات)، كثيرون بينهم مثل الخضر أنهكتهم الحرب، لكنهم أصرّوا على تمثيل بلادهم في المحفل القاري. شظايا ويروي الخضر كيف نجا ثلاث مرات من الموت في عدن أثناء وجوده في سيارة محمّلة بالبضائع تسقط القذائف حولها "لولا دعاء الوالدين، لكنت لحقت بأصدقائي الذين قضوا في الحرب". كذلك كاد زميله في البعثة لاعب الووشو يوسف اسكندر (25 عاماً)، يفقد حياته بالفعل. ويروي "في بداية الحرب، وبينما كنت خارجاً مع زملائي من صالة التدريبات في تعز، سقطت أمامنا قذيفة هاون، فاخترقت الشظايا قدميّ، وبُتِرت قدم أحد زملائي، واستُشهد آخر". ويضيف "توقفت عن اللعب من 2015 إلى 2021. الإصابة أخّرتني كثيرًا، لكن رغم ذلك تجاوزتها، كي أتواجد في الصين وأرفع علم اليمن عاليًا". ويقول يوسف الذي ينتظر مع زوجته مولودًا ثانيًا قريبًا، "الرياضة لا تكفي لإعالة أسرة، أنا أعمل في حمل وتفريغ حمولات من المخازن إلى الشاحنات، وأحيانًا أنقل الأحجار ومواد البناء من الأرض إلى الأدوار الأعلى". ويتابع حامل فضية البطولة العربية في بيروت 2014 "أفرّغ نفسي من ساعة إلى ساعة ونصف فقط يوميًا للرياضة. صنعت كيسًا للملاكمة، وأتدرّب عليه في البيت". واستعدادًا للدورة الآسيوية، خصّصت وزارة الشباب والرياضة بحسب يوسف، مكافأة شهرية للمواصلات بقيمة 20 ألف ريال يمني بعملة صنعاء (نحو 35 دولاراً أميركياً). يجزم صاحب الوجه البشوش أن تداعيات الحرب حالت دون توفير بيئة مناسبة للتدريب والاستعداد للألعاب الآسيوية، ويقول "الصين تستعد منذ سنة ونصف تقريبًا، فيما نحن استعدّينا لمدة شهر في الصين فقط". حارس أمن.. ساع للهجرة وفيما يؤكد يوسف أن فرصاً عدة أتيحت له للخروج من اليمن "مع عقود للتجنيس، لكنني رفضت"، يسعى زميله في لعبة الجودو عبد الله فايع (29 عاماً) إلى فرصة لمغادرة اليمن. ويقول فايع "أسعى للهجرة إلى فرنسا التي تهتم كثيرًا بالجودو، ويمكن للمرء أن يتدرب ويعمل ويعيل أسرته، لكن ليس لدي المال الكافي". كان عبد الله يتمنى أن يعود بميدالية إلى صنعاء، لكن على غرار آخرين، لم يتفرّغ إلى الرياضة. ويقوم بعمل شاق بدوام طويل. "أعمل حارس أمن، وقبلها عملت سائقًا على دراجة نارية لتوصيل الطلبات". ويتابع متحسّرًا "بعد العمل، أذهب إلى التدريبات، وأنا متعب ومرهق. الظروف لا تساعد على الاستعداد لبطولات كبيرة". وفيما يخلو رصيد اليمن، المطوّق بالظروف الصعبة والذي حصد تاريخيًا برونزيتين في التايكواندو والووشو في دورتي 2002 و2006، من أي ميدالية مع انتصاف الدورة تقريباً، يؤكد الهمداني أن بلاده ستتمثل في أولمبياد باريس 2024 بعدد أقل من الرياضيين. ويقول "لن نتواجد في الألعاب الجماعية لصعوبة خوض التصفيات، لكن لدينا بطاقات بيضاء (دعوة) في السباحة، ألعاب القوى، والملاكمة"، متوقعًا أن يتراوح عدد البعثة بين 8 و10 رياضيين. ويتابع أن الرياضيين الذين جاؤوا الى هوانغجو "فرضوا أنفسهم بقدراتهم المالية والتدريبية الخاصة". وبالإضافة الى صعوبات حياتهم اليومية، يتوقف رئيس البعثة أيضًا عند مسألة الخروج والدخول من اليمن وإليه. "نحتاج للوصول إلى أوّل مطار ما بين 15 إلى 20 ساعة في البرّ، يتخللها تنقّل بين النقاط العسكرية، وإثبات أننا لا نرتبط لا بهذا ولا بذاك الطرف".
مشاركة :