دعت «منظمة الخليج للاستشارات الصناعية» (جويك) أمس دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ قرارات إستراتيجية تتعلق بإصلاحات اقتصادية للحد من تداعيات انخفاض أسعار النفط تتمثل بالرفع التدريجي لدعم الطاقة والتوجه نحو الطاقة المتجددة وتعميق دور القطاع الخاص في التنمية وتنويع القاعدة التصديرية وفرض ضرائب على الدخل والأرباح. وأكدت المنظمة ان الانخفاض الكبير في أسعار النفط وتأثيراته في الدول المنتجة تستدعي «إعادة ملف النفط إلى طاولة محادثات منظمة أوبك لإعادة النظر بكميات النفط المصدرة وذلك للسعي بقدر الإمكان إلى إعادة الاستقرار للسوق من خلال تخفيض الكميات المنتجة وبما يتناسب مع الطلب العالمي». وأضافت المنظمة في تقرير بعنوان «التداعيات والخيارات المتاحة في مواجهة تراجع أسعار النفط» ان تحدي انخفاض أسعار النفط وتوقع استمرار انخفاضه في شكل أكبر وفق تقديرات بعض المؤسسات الدولية ذات الصلة «يمكن ان يتحول إلى فرصة حقيقية لدول مجلس التعاون للإسراع في الانتقال من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد القائم على التصنيع مستخدمة عناصر القوة الأخرى التي تمتلكها من موقع جغرافي متوسط وإمكانيات الانتقال للطاقة البديلة وتنوع في سوق العمل». وأكدت ان هذا الانخفاض يضع دول المجلس أمام تجربة حية لما قد يحصل مستقبلاً عندما يتحول العالم إلى الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة المتجددة بعد تقليص اعتماده على النفط أو عند نضوب النفط في أسوأ الأحوال ويمنحها الفرصة وفي شكل إجباري لإعادة تنظيم اقتصاداتها في شكل يتناسب مع السيناريوات المستقبلية التي طالما أرّقت المخططين وصناع القرار في دول المجلس. وأشارت إلى ان النفط يعتبر المصدر الأساسي والعمود الفقري لاقتصادات دول مجلس التعاون إذ يشكل 47 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. والنمو الاقتصادي لدول المجلس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسعار النفط، والفوائض النفطية هي المصدر الأول والأكبر للعملات الأجنبية وهي التي تمد القطاعين العام والخاص بالتمويل اللازم لإقامة المشاريع التنموية والاستثمارية. أحداث بارزة وأورد التقرير الذي أعدته إدارة الدراسات والسياسات الصناعية في «جويك» ان السنوات العشر الأخيرة زاخرة بالأحداث الكبيرة التي كانت لها آثار مركبة ومتداخلة في اقتصادات دول المجلس والمنطقة في شكل عام ومن تلك الأحداث الطفرة النفطية التي جاءت على مرحلتين ابتدأت المرحلة الأولى منها في شكل متصاعد ووصلت ذروتها في 2008 حين وصل معدل سعر برميل النفط إلى 59.4 دولار لسلة «أوبك»، وتخلل العام حدث مهم آخر وهو الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة وألقت ظلالها على معظم دول العالم بدرجات مختلفة اعتمدت على مساحة تقاطعاتها مع الأسواق المالية وأسواق الاستثمار الأميركية. وتناول التقرير أحداث «الربيع العربي» وما شهده من تجاذبات سياسية وعسكرية أثرت في اقتصادات المنطقة برمتها، مشيراً إلى ان انخفاض أسعار النفط بدءاً بنهاية عام 2013 لم تواكبه دول «أوبك» بتخفيض للكميات المنتجة التي بلغت 32 مليون برميل يومياً، متجاوزة الطلب العالمي الذي بلغ 30 مليون برميل يومياً، ما شكل فائضاً في العرض خصوصاً مع بدء الولايات المتحدة بإنتاج النفط الصخري فحصل مزيد من الانخفاض في الأسعار. وما زاد الأمر سوءاً، وفق التقرير، انخفاض الطلب العالمي على النفط في شكل متزامن بسبب تباطؤ النمو العالمي إلى ان وصل سعر البرميل إلى 28 - 30 دولاراً للمرة الأولى منذ 2003. وأضافت «جويك» ان متانة الاقتصادات الخليجية جعلت منها ملجأ آمناً لرؤوس الأموال الأجنبية إبان الأزمة المالية العالمية وما بعدها خصوصاً أنها كانت تملك البيئة الاقتصادية الملائمة وهي مستعدة لاستقبال الاستثمارات الهاربة من عاصفة الأزمة لتبلغ قيمة الاستثمارات التي استقطبتها دول المجلس في 2009 نحو 285.2 بليون دولار أو 1.6 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المتراكمة حول العالم. وحققت دول المجلس خلال 2005 - 2014 فوائض مالية كبيرة بلغت 416.3 بليون دولار في 2014 جرى إنفاق جزء كبير منها على البنية التحتية ما وفر سيولة لدى النظام المصرفي مكنت من تنمية استثمارات القطاع الخاص. وحاز قطاع الصناعة الخليجي استثمارات أجنبية بلغت 53 بليون دولار وساهم بـ 15 في المئة من الناتج المحلي لدول المجلس. وتعمقت صناعات تقليدية في دول المجلس مثل الصناعات الغذائية وصناعة الألومونيوم وظهرت صناعات جديدة مثل صناعة السفن وقطع غيار الطائرات. علاوة على ذلك تمكنت دول المجلس من تقديم الدعم المالي إلى اقتصادات عربية أخرى عانت تداعيات «الربيع العربي» مثل مصر والأردن واليمن.
مشاركة :