تعكس تصريحات صدرت من عدة عواصم أوروبية الحلول الفردية التي تسعى إلى نهجها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في وقت تشدد فيه المؤسسات التابعة له على ضرورة التوصل إلى حل شامل وسياسة موحدة للتعامل مع أزمة الهجرة واللاجئين. وحذر وزير الهجرة ثيو فرانكين في بروكسل من أن تحرير التأشيرة للأتراك قد تؤدي إلى مشكلة جديدة تتمثل في هجرة أفواج كبيرة من الأتراك إلى أوروبا للحصول على حق اللجوء، وخصوصا من الأكراد الذين سيفرون من معاملة النظام لهم. وأضاف أنه «لا يمكن أن نحل مشكلة بأخرى جديدة». ومن صوفيا، طالبت الحكومة بضرورة أن يتضمن أي اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول التعاون في ملف أزمة اللاجئين قضية حماية الحدود البلغارية من تدفقات المهاجرين. ويأتي قرار تحرير التأشيرات لأتراك بعد فترة طويلة من النقاش حول الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الأسبوع الماضي، والذي يهدف إلى وقف تدفق اللاجئين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي عن طريق القوارب التي تبحر من تركيا إلى الجزر اليونانية على بعد بضعة كيلومترات من الساحل التركي. وينص الاتفاق على أن تستعيد تركيا المهاجرين من الجزر اليونانية في مقابل الحصول على مساعدات إضافية (6 مليارات يورو بدلاً من 3 مليارات)، بالإضافة إلى إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة السفر للاتحاد الأوروبي. وقال فرانكين للصحيفة إن الوضع سيكون «مأساويا» إذا لم يتم المصادقة على الاتفاق في القمة الأوروبية يوم الخميس المقبل. وردًا على سؤال حول الانتقادات التي وجهتها منظمات إنسانية للاتفاق، قال فرانكين: «لقد سمعت لكثير من الانتقادات، ولكن هذا هو الحل الأمثل حاليًا ولا بديل في الأفق». في المقابل، أعرب فرانكين عن قلقه إزاء أحد جوانب الاتفاق، وهو إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك. ويذكر أن هذا الطلب لا يعدّ جديدا، فقد تم الاتفاق بالفعل على أنه بإمكان الأتراك الدخول إلى الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة بعد وفاء أنقرة بنحو 70 شرطا أجل النظر فيها إلى شهر يونيو (حزيران) المقبل. وذكّر فرانكين بأزمة اللجوء التي نتجت عن تحرير التأشيرات لعشرات الملايين من المواطنين البلقان عام 2009، متسائلا عن نتيجة السماح لـ80 مليون تركي بالقدوم إلى دول الاتحاد دون تأشيرة. وأضاف: «إذا أرادت تركيا أن نسمح لمواطنيها بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة، فيجب عليها أن تلبي جميع شروطنا. فليس من المعقول أن نفتح الباب أمام الملايين من الأكراد الذين قد يطلبون اللجوء بسبب طريقة تعامل النظام التركي معهم». يذكر أن المفوضية الأوروبية والمجلس الوزاري تعرّضا الأسبوع الماضي لوابل من الانتقادات اللاذعة، وجهها لهما النواب الأوروبيون من مختلف التيارات والمجموعات تتفق على أن مشروع الاتفاق يعقّد الأزمة التي هزت أركان الاتحاد الأوروبي. وإلى جانب معارضتهم لتحرير التأشيرة، انتقد هؤلاء طلب تركيا مزيدا من الأموال، مشيرين إلى أن الحل الأمثل يكمن في استخدام هذه الأموال لتحسين آليات استقبال اللاجئين داخل أوروبا وإعادة من لا يستحق منهم الحماية الدولية. كما شكّك النواب في جدية ومصداقية الحكومة التركية، خصوصا في ظل نزوعها في الفترة الأخيرة نحو مزيد من التسلط ومصادرة الحريات داخل البلاد. وكان رئيس مجموعة التحالف الليبرالي الديمقراطي، غي فيرهوفشتات، أكثر حدة في انتقاداته، وقال إن «ما حدث هو أن أوروبا تصدر مشكلاتها للخارج وتعطي مفاتيحها للأتراك، أحفاد العثمانيين»، وعلى الرغم من أن فيرهوفشتات أقر بضرورة التوصل إلى توافقات وتفاهمات مع أنقرة، فإنه رفض ما اعتبره تدابير مناقضة لميثاق جنيف، لافتًا النظر إلى أن أنقرة لم تصادق على بروتوكولات هذا الميثاق كافة. ورفض البرلماني الأوروبي بشكل كامل الاتفاق، باعتباره يعطي حق القرار لتركيا، الدولة التي تبتعد يومًا بعد يوم عن المعايير الديمقراطية، مطالبا رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك بالبحث عن حلول أوروبية صرفة. أما رئيس مجموعة الخضر فيليب لامبرت، فوصف ما حدث بـ«الإفلاس الأخلاقي التام لأوروبا»، فـ«بدل انتقاد الأتراك على ممارساتهم، نفرش لهم السجاد الأحمر ونسلمهم مصيرنا». وناشد قادة الدول والمفوضية الأوروبية للتحرك للبحث عن حل أوروبي يتوافق مع قيم الاتحاد، لافتًا النظر إلى أن تركيا تعيش حاليًا عزلة سياسية واقتصادية، ويجب التفاوض معها من منطق القوة وليس الضعف. هذا ومن المقرر أن يعود زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمناقشة الاتفاق مع تركيا وتقديم مزيد من التفاصيل بشأنه خلال القمة القادمة المقررة في 17 من الشهر الحالي في بروكسل.
مشاركة :