تكلفة السرقة من المتاجر بالولايات المتحدة ترتفع بشكل خطير

  • 10/1/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كتبت الكاتبة الأمريكية سوزانا سونتاغ، عن ترددها في صغرها على مكتبة «بيكويك» في لوس أنجليس، وسرقة الأعمال الأدبية من متاجر الكتب، وبررت ذلك بقولها: «كل سرقاتي العرضية، كلفتني أسابيع من جلد الذات والخوف من الإذلال في وقت لاحق، ولكن ماذا بالإمكان فعله إزاء مصروفي الضئيل». وقد كانت مثل هذه السرقات تصنفها كمختلسة، وفقاً لتعريف السرقة من المتاجر متعددة الأقسام في شيكاغو في ستينات القرن الماضي. وكان معظم المختلسين من الهواة، وفي صدارتهم النساء اللاتي يسرقن المحافظ والإكسسوارات الجميلة المعروضة للبيع، يليهن اللصوص المحترفون، فهم أقل بكثير من المختلسين، ولكنهم كانوا منظمين ولا يعرفون الرحمة! وقد تفاقمت هذه الظاهرة كثيراً، لدرجة أنه إذا ما نظرنا إلى حجم الشكاوى التي قدمتها محلات السوبرماركت ومتاجر الإلكترونيات بالتجزئة، فإنه يمكن تصنيف العصر الحالي بأنه «عصر اللصوصية». ونتيجة لذلك أعلنت سلسلة متاجر «تارجت» الأمريكية هذا الأسبوع، عن إنها تعتزم إغلاق تسعة من متاجرها في مدن عدة، من بينها نيويورك وسان فرانسيسكو؛ لأن «السرقة وجرائم الاختلاس المنظمة، أصبحت تشكل تهديداً على سلامة موظفيها وزبائنها». وتعد سلسلة متاجر «تارجت» واحدة من بين عديد من تجار التجزئة الذين حذروا من زيادة معدلات السرقة المنظمة، بما فيها جرائم السرقة السريعة، التي يقترفها لصوص شباب بعد تخويف الموظفين. بيد أن هناك لصوصاً آخرين يخرجون بوقاحة محملين بأكياس كبيرة من الغنائم. ووصفت شارون وايت رئيسة شركة جون لويس السرقة من المتاجر هذا الشهر بأنها كانت كالوباء، في حين تقول سلسلة متاجر «كووب» إن تكرار عمليات السطو سيؤدي لتدمير بعض الفروع. ورغم ذلك لا تمثل السرقة تهديداً خطيراً لجميع المتاجر. إذ صرح الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع، أن «الانكماش»، بما يشمل السرقات التي يقترفها الموظفون والعملاء، بالإضافة للسلع المفقودة، قد ارتفع إلى 112 مليار دولار في العام الماضي. ويمثل هذا الرقم 1.6 % من المبيعات، وهو يعادل المستويات التي كانت سائدة قبل وباء كورونا. وأوضحت أن لصوص المتاجر يستأثرون بنحو ثلث إجمالي الانكماش. ولا يزال المختلسون في وقتنا الحالي مسؤولين عن كثير من حوادث سرقة المتاجر، وقد اعتاد المراقبون على الشكوى من دخول النسوة للمتاجر بغرض الحصول على سلع تزيد من مكانتهن في المجتمع من دون دفع قيمتها، لكن في المقابل باتت الاحتياجات الأساسية بعيدة عن متناول بعض العائلات الأخرى، في وقت يقدم فيه ارتفاع معدلات التضخم والفقر مزيداً من المغريات للسرقة من المتاجر. وتقول منظمة الإنقاذ الوطنية عن ذلك: «إن التحديات الاجتماعية تستحق حلاً متعاطفاً». وقد تعرضت شركة «تارجت»، التي يتبقى لها نحو 1900 متجر (بعد إغلاق المتاجر التسعة) وسلاسل المتاجر الأخرى، لضربة جديدة نتيجة تراجع الإنفاق الاستهلاكي بسبب ارتفاع الأسعار. ولهذا من الملائم إذاً، إلقاء اللوم على الانكماش، إذا كنت تريد أن تنكمش على أي حال! ولكن التظاهر بعدم وجود مشكلة يمثل ضرباً من العبث. فكل من تحدثت إليهم حول القضية هذا الأسبوع، رووا تجاربهم أو تأثرهم غير المباشر بانتشار جرائم سرقة محلات البيع بالتجزئة، ولهذا أخذت محلات السوبرماركت تقلص أعداد عربات التسوق للحيلولة دون استخدامها في السرقات، كما تبقي متاجر الملابس أبوابها مغلقة وتسمح بدخول بعضهم بعد قرع الجرس، كما باتت المتاجر تقفل مزيداً من أماكن تخزين البضائع بإحكام خشية من تعرضها للسرقة. وتقع النسبة الأكبر من المعاناة في هذا المجال على كاهل عمال البيع بالتجزئة. حتى ولو كانت حوادث السرقة عادة تتسق مع النمط المعروف لتلك الجرائم، إلا أن كثيراً منهم يواجه إساءات أكبر من اللصوص الغاضبين في أوقات مشحونة بالقلق. وعدا عن اضطرار أولئك العمال لتحمل الإجرام المتكرر والعنف في بعض الأحيان، فهم لا يحصلون على أجور كافية كتعويض عن ضغط العمل الذي يعانون منه. وساهمت تقنيات متاحة بسهولة على شبكة الإنترنت في تسهيل السرقة، بل وأصبحت توفر كل ما قد يحتاجه اللص، حيث اقترح أحد المجرمين البارعين استخدام أكياس مبطنة بنسيج معدني، يتم شحنها من بولندا، لإخفاء علامات حماية السلع من السرقة. وهناك أيضاً مفاتيح خاصة لإزالة تلك العلامات، وكذلك أجهزة للتشويش مقاومة للماسحات الضوئية. ومع هذا المستوى من التحضيرات للجريمة، تتحول سرقة المحال التجارية إلى ما تطلق عليه المتاجر بـ «جريمة التجزئة المنظمة»، والتي لا يقترفها اللصوص من أجل الاستهلاك، بل لمقايضة المسروقات مقابل المال، كما أنها تنطوي على تقسيم العمل: حيث يقوم صغار السن بتمرير البضائع المسروقة إلى جهات تقوم ببيعها بالجملة عبر الشبكة، ويحصلون مقابل ذلك على نسبة صغيرة فقط من العائدات مقابل الانضمام إلى عصابة إجرامية تشبه عصابة «فاجن». ما يحدث ليس تماماً كما في فيلم «أوشن 11»: قد يكون الوصف الأفضل لنشاط العصابات تلك هو أنها سرقة «شبه منظمة»، وكما أشارت إحدى دراسات الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة، فإن مثل هذه العصابات غالباً ما تشغل المشردين أو المدمنين كلصوص محترفين. في الواقع، يحصل أعضاء عصابات المخدرات على السلع، من خلال سرقتها من المتاجر في أوقات الفراغ؛ وكلما زادت صعوبة الأوضاع في تلك المناطق، كلما زاد عدد المجندين المحتملين في صفوف تلك العصابات. وليس من الواضح بعد، كيفية القضاء على ظاهرة السرقة من متاجر التجزئة، حيث تشكو متاجر التجزئة من إحجام الشرطة عن التدخل لمكافحة جرائم السرقة الفردية، التي لا تكبد كثيراً من الخسائر في ذاتها، لكن ما يعظم هذه الخسائر تكرار سرقة المكان نفسه، وهم يحرصون على أن تكون قيمة سرقات كل منهم في كل مرة أقل من المبلغ الذي يصنف كجناية تستحق العقاب، أو ربما يعتقد كثير من الناس أن السرقة من سلاسل متاجر التجزئة هي جريمة بلا ضحايا. ولكن هناك اختلافاً واحداً بين اختلاس الكاتبة سونتاغ في أربعينات القرن الماضي، والعصابات التي تنشط في لوس أنجليس الآن؛ وهو أن تجارة التجزئة باتت تقف على أرضية غير ثابتة. فهناك العديد من متاجر التجزئة الفارغة في العديد من البلدات والمدن بالفعل، حيث بات تجار التجزئة يعرفون أن ترك البضائع معروضة في العراء هو مقامرة حمقاء. وعلى الرغم من أن محلات البيع بالتجزئة تجني المال من خلال السماح للمتسوقين بملء عرباتهم بالبضائع والسلع والخروج بها بعد سداد قيمتها، لكن القدرة على الحصول على مشترياتك بحرية في كل يوم باتت أشبه بمعجزة، كما أنها عملية مريحة للغاية. وسيخسر المجتمع الكثير إذا أصبحت هذه الحرية ميزة مقتصرة على أصحاب الامتيازات، أو أولئك الذين يعيشون في أماكن لا تخشى فيها المتاجر التعرض للنهب. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :