الدار البيضاء: لحسن مقنع استطاع زيت شجرة الأركان المغربية الفريدة الوصول إلى رفوف مستحضرات التجميل العالمية في وقت قصير. فقد تعددت المنتجات التي تحتوي على الزيت الذهبي الفريد كمكون رئيس، وضمنها منتجات للعناية بالشعر، أقنعة للوجه، مراهم، مواد للعناية بالأظافر، كريمات لمقاومة التجاعيد وآثار الشيخوخة، إضافة إلى أنواع من الصابون ومستحضرات التدليك. يعود الفضل في هذه الطفرة العالمية إلى ظهور شركات عصرية في الآونة الأخيرة، تتمتع بحجم صناعي ومركز مالي محترم، ولا علاقة لها بمئات التعاونيات النسائية التي كانت وراء الشهرة التي عرفها زيت أركان في الماضي. هذه الشركات، التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد، تحتكر سوق التصدير والعلاقات مع الشركات العالمية الكبرى التي تهتم بزيت الأركان. قبل عشرين عاما فقط كان زيت أركان منتجا محليا مغمورا، لا يعرف أسراره سوى أبناء المغرب. فشجرته فريدة لا مثيل لها في أي مكان آخر في العالم، بحيث تنمو بشكل طبيعي في شكل غابات تغطي الجبال المحيطة بمدن الصويرة وأغادير وتارودانت وتزنيت على الساحل الأطلسي في الجنوب المغربي. كان هذا الزيت يستعمل أساسا في التغذية والمطبخ، ورغم أن فوائده في مجال التجميل كانت معروفة لدى المغربيات، إلا أن استعماله كان ضعيف الانتشار في المغرب. وبدأت طفرة أركان في أواسط التسعينات مع ظهور أولى الجمعيات النسائية في منطقة الأركان، التي شكلت تعاونيات متخصصة في التقاط ثمار الأركان الشبيهة بثمار الزيتون واستخراج الزيت من نواتها بطرق تقليدية تعتمد على رحى قديمة وبيعها في الأسواق. تزامن هذا التحول مع التغيرات التي عرفها المغرب مع تولي الملك محمد السادس للحكم وتشجيعه لكل المبادرات الرامية إلى مكافحة الفقر وفك العزلة عن المناطق النائية، وإعطاء دور أساسي للمجتمع المدني والتعاونيات والجمعيات الأهلية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. في هذا السياق قدمت الحكومة يد المساعدة للجمعيات النسائية الفتية في منطقة الأركان، خاصة من ناحية التأطير والتكوين في مجالات التعبئة والدعاية والتسويق. وأسهم الإنترنت بالتعريف بهذا الزيت الفريد وفوائده عالميا. وفي 1998 صنفت منظمة اليونيسكو منطقة الأركان كمحمية طبيعية، وأسهم التصنيف في تسليط الضوء على الشجرة وفوائد زيتها السحرية. عشر سنوات بعد ذلك بدأ اهتمام الشركات الكبرى يزيد، لتبدأ محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها في منطقة الأركان عن طريق البحث عن تحالفات واتفاقيات مع الجمعيات النسائية في إطار «عقود التجارة المنصفة والتضامنية». في 2008 أطلقت لوريال مبادرتها الخاصة باستغلال زيت الأركان، بشراكة مع مختبرات سيروبيولوجيك الفرنسية، والمنظمة غير الحكومية الفرنسية «يامانا» المتخصصة في مجال المسؤولية الاجتماعية للمقاولات. وأبرمت المجموعة اتفاقية شراكة مع بعض التعاونيات النسائية التي تكتلت في إطار جمعية تاركانين. وتضمن الاتفاق تخصيص جزء من مداخيل الصفقات لتمويل صندوق للتنمية المحلية وجزء آخر للأعمال الاجتماعية لفائدة النساء العاملات في إطار التعاونيات. في السنة الموالية أطلقت مجموعة شانيل بدورها مبادرة مماثلة. وفي غضون ذلك قامت مجموعة فرنسية ألمانية بإيداع تسجيل علامة أركان كعلامة تجارية عبر العالم، الشيء الذي أثار استياء كبيرا في المغرب، سواء داخل الأوساط الرسمية أم في القطاع الخاص. غير أن الشركات العالمية الكبرى سرعان ما اكتشفت أن التعامل مع الجمعيات النسائية غير ممكن، وأن «التجارة المنصفة والتضامنية» تبقى حلما لا يحقق الأرباح. فالتعاونيات بوسائلها البسيطة والمتواضعة لا يمكنها الاستجابة للمتطلبات والمعايير والشروط التي تفرضها الشركات العالمية الكبرى، خصوصا في قطاع حساس كقطاع مستحضرات التجميل، الذي يتداخل مع قطاع الصناعات الصيدلية وصناعات الأدوية. فنوعية الزيت الذي تطلبه الشركات المتعددة الجنسية تشترط فيه أن يعصر بالبارد، في حين أن الطريقة التقليدية التي تتبعها التعاونيات النسائية تعتمد على سحق الثمار بعد تحميصها على نار هادئة ثم عجنها يدويا من أجل استخراج الزيت. كما تشترط الشركات المتعددة الجنسية معالجة الزيت المستخلص بالكربون لإزالة الروائح، إضافة إلى إخضاعه لمعالجات أخرى لإزالة الشوائب والتخلص من الجراثيم، كل ذلك مع المحافظة على خصائصه ومكوناته الفعالة. في مرحلة أولى حاولت الشركات متعددة الجنسية استيراد ثمار أركان من دون أن تخضع لأي معالجة في المغرب، وتتكفل مختبرات ومصانع أوروبية باستخراج الزيت. غير أن الحكومة المغربية رفضت ذلك، ولجأت إلى إصدار قانون في سنة 2008 يمنع تصدير ثمار أركان من دون معالجة إلى الخارج. هكذا ظهرت الشركات المغربية العصرية المتخصصة في استخراج الزيت من ثمار أركان باستعمال تقنيات حديثة والاستثمار في آليات وتجهيزات غالية، تستجيب مصانعها ومختبراتها إلى معايير ومتطلبات الجودة التي تشترطها الشركات العالمية، والتي تثبتها شهادات مطابقة مسلمة من طرف الوكالات الدولية المتخصصة. وأدت هذه التطورات إلى ظهور طلب جديد على ثمار الأركان، طلب كبير جعل ثمن الثمار يرتفع من 20 درهما (2.5 دولار) إلى 90 درهم (11 دولارا) للكيلو. وللتعامل مع هذا الطلب الجديد ظهر وسطاء جدد متخصصين في شراء ثمار أركان من مختلف أسواق المنطقة وتخزينها وتجميعها لبلوغ الكميات الكبيرة المطلوبة من طرف الصناعات الجديدة. أما التعاونيات النسائية، فرغم التطور الذي عرفته منتجاتها، فهي تبقى خارج نطاق متطلبات التصدير. فعلى مدى عقدين من الزمن طورت التعاونيات أداءها، وبعضها تطور إلى شركات صغيرة. وأصبحت لائحة المنتجات المختلفة التي تسوقها والتي يشكل زيت الأركان مكونا رئيسا فيها تضم أزيد من 80 منتجا، مهيأة ومعبأة بطريقة عصرية، لكنها تفتقد إلى شواهد المختبرات العلمية العالمية للاعتراف بجودتها وفعاليتها، وبالتالي تمكينها من ولوج الأسواق العالمية.
مشاركة :