بدأ الأردن في حملة لتوعية السكان بتبعات الضغوط الديمغرافية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، وتخشى الحكومة الأردنية من خروج الوضع الديمغرافي عن السيطرة في حال لم تسارع إلى اتخاذ التدابير اللازمة والتي تعطلت كثيرا. عمان - يواجه الأردن معضلة ديمغرافية، وسط مخاوف من خروجها عن السيطرة لاسيما في ظل وضع اقتصادي صعب، لا تملك المملكة الكثير من الخيارات في مواجهته، بدون دعم الأصدقاء والحلفاء. وشكلت المسألة الديمغرافية أحد أبرز الملفات التي جرى التطرق إليها بإسهاب في النقاشات داخل المملكة على مدى العقود الماضية، دون أن تخلص إلى إجراءات عملية لمعالجتها، لكن الوضع حاليا بات مدعاة للقلق. وبدأ عدد من الإذاعات المحلية مؤخرا ببث "تنويهات" تم إعدادها بالتنسيق مع المجلس الأعلى للسكان تتناول أربعا من أبرز القضايا التي تنطوي على عواقب مستقبلية يمكن أن تهدد الاستقرار السكاني والاقتصادي. وبحسب بيان صادر عن المجلس، فإن أولى تلك القضايا تتعلق بالتوزيع الجغرافي غير المتوازن للسكان وما يترتب عليه من كلف مالية وإدارية وأضرار اقتصادية وبيئية ناجمة عن تركز 92 في المئة من سكان الأردن في النصف الشمالي الغربي من البلاد. وتتعلق الثانية بـ"الفوائد المتعددة التي تعود على الزوجين حديثي الزواج من تريّثهما في إنجاب مولودهما الأول". والثالثة، تتعلق بالتبعات السلبية التي تترتب على تزويج الفتيات قبل بلوغهن سن الـ18 سنة. وتتمثل القضية الرابعة في فرص العمل المتاحة أمام المتعطّلين الذكور الذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من إجمالي عدد المتعطلين في الأردن، و63 في المئة من هؤلاء المتعطلين الذكور لم يكملوا تعليما ثانويا. ولزيادة الوعي بهذه القضايا، فإن هذه “التنويهات” سوف تذاع على مدار شهرين، سعيا إلى “كسب التأييد لها ونشر الوعي حولها، بهدف بلوغ وتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص". ◙ الأردن بحاجة إلى معدل نمو اقتصادي يعادل ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني ليكون قادرا على تشغيل الجيل الجديد ويعد المجلس الأعلى للسكان نفسه من أجل الاستعداد لما يعتبره "ذروة الفرصة السكانية التي من المتوقع أن يشهدها الأردن في العام 2040”، والتي يقول إنها تتطلب إصلاح سياسة التعليم والتدريب لتلائم مخرجاتهما ما يتطلبه سوق العمل، لأن أي شيء عكس ذلك سوف يجعل التحوّل الديمغرافي ينطوي على تداعيات اجتماعية غير مرغوبة. ويواجه الأردن مشكلتين متضاربتين تلحقان أكبر الضرر بسياسات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، هما أن زيادة الإنجاب من دون مستويات تعليم وتأهيل كافية، سوف تعني بقاء مستويات البطالة عالية بين الشباب خاصة. كما أن انخفاض أعداد المواليد سوف يؤدي إلى شيخوخة سوق العمل، في حين أن الموارد المتاحة للرفاهية الاجتماعية محدودة. وقال المجلس في تحليل صدر في يوليو الماضي "إن الأردن يشهد مرحلة تحوّل ديمغرافي ناتجة عن الاستمرار في انخفاض أعداد المواليد (الجدد) و(إن) الوفيات أثرت وتؤثر على الهرم السكاني وأدت وتؤدي إلى تغيّر تدريجي في التركيبة العمرية للسكان باتجاه ارتفاع نسبة السكان في سن العمل، لاسيما الشباب منها، وانخفاض معدلات الإعالة، بالإضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من الشباب إلى سوق العمل". وتوقع المجلس أن تكون ذروة هذا التحوّل في عام 2040 عندما ترتفع نسبة السكان في سن العمل إلى 67.7 في المئة وتنخفض نسبة الإعالة العمرية إلى حوالي 48 شخصا مُعال لكل 100 شخص في سن العمل، إذ “يمكن (حينها) أن تُتاح للأردن فرصة تاريخية للاستثمار في رأس المال البشري كافية إلى إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية، إذا ما تم الاستعداد لها كما يجب". ومن المتوقع أن يبلغ حجم السكان الأردنيين ما يتراوح بين 9.5 و11 مليون نسمة في عام 2040، ومع افتراض استمرار وجود غير الأردنيين المقيمين داخل الأردن، فمن المتوقع أن يبلغ حجم السكان حوالي 15.7 مليون نسمة. وتتمثل إحدى المشكلات التي تواجه الأردن في أنه ثاني أفقر بلد في العالم من حيث وفرة المياه. فموارد المياه المتجددة في الأردن تبلغ أقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي أقل بكثير من حصة الفرد عالميا والتي تبلغ 500 متر مكعب. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب زيادة الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني والنشاطات الصناعية والزراعية المتزايدة. وتشير عمليات مراقبة المياه الجوفية على المدى الطويل لطبقات المياه الجوفية الرئيسية، إلى انخفاض مستويات المياه، مع انخفاض سنوي يزيد عن عشرة أمتار في بعض طبقات المياه الجوفية. وبحسب الاقتصاديين، فإن الأردن بحاجة إلى معدل نمو اقتصادي يعادل ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني ليكون قادرا على توفير الوظائف اللازمة للجيل الجديد من الداخلين إلى سن العمل. كما أن مشكلة التوزيع السكاني تتسبب في خلل واضح. إذ يعيش 8 في المئة فقط من سكان الأردن في المحافظات الجنوبية الأربع التي تشكّل نصف مساحة الأردن. ◙ الأردن يواجه مشكلتين متضاربتين هما أن زيادة الإنجاب من دون مستويات تعليم كافية سوف تعني بقاء مستويات البطالة عالية بين الشباب وعلى الرغم من أن مستويات تعليم الإناث تشهد تقدما فإن معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة لا يزال منخفضا، حيث يبلغ نحو 14 في المئة. وفي حين أن معدل البطالة بين الذكور يبلغ 18.7 في المئة، فإنه يبلغ بين الإناث 26.2 في المئة. ووفقا لتصورات "الفرصة السكانية"، فإن تطوير مستويات التعليم والخدمات الأساسية الأخرى، مثل الصحة والبنى التحتية، وزيادة الاندماج الاجتماعي، والبحث عن مشاريع اقتصادية ذات جدوى فعلية تتجاوز هدف "امتصاص" البطالة، سوف يتيح الاستفادة من هذه "الفرصة"، بينما يؤدي إهمالها إلى تحول الزيادة السكانية إلى مأزق تصعب معالجته. وتحاول "التنويهات" أن تجعل الوعي بهذه المشاكل يتوافق مع الأدوات المتاحة لمعالجتها، على المستوى الرسمي، من قبل أن تقع. ويقول أمين عام المجلس الأعلى للسكان عيسى المصاروة إن الانفجار السكاني والتركيب العمري الفتي للسكان وضعف إدارة توزيع السكان بين المحافظات على استعمالات الأراضي، ونقص الأراضي المزروعة والزراعية والغطاء النباتي الطبيعي بسبب تركّز السكان واللاجئين في شمال غرب البلاد هو أمر "تترتب عليه كلف مالية وإدارية باهظة، وأضرار جسيمة بالبيئة والاقتصاد الريفي والأمن الغذائي والمروري وإدارة البيئة الحضرية". ويرى أمين عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي صالح الخرابشة أن معوقات الوصول إلى “ذروة الفرصة” تتمثل بارتفاع معدلات الزواج بين الفتيات دون سن الـ18 عاما، والانسحاب المبكر للإناث من سوق العمل وثبات معدل المشاركة الاقتصادية (المنخفض) لهن، إضافة إلى ثبات معدل استخدام الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة للمباعدة بين الولادات.
مشاركة :