مصطفى اللداوي يكتب: صبرا وشاتيلا تذبح من جديد وشواهدها تطالها التهديد

  • 10/1/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ليس أبلغ شهادةً على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين، التي ارتكبتها إسرائيل وأعوانها في العام 1982، من المقبرة التي تقع على أطراف مخيم شاتيلا وتحمل اسمه، ويدفن فيها أكثر من ثلاثة آلافٍ وخمسمائة فلسطيني ولبناني هم ضحايا المجزرة الدموية التي نفذتها مليشيات إسرائيلية الفكر والهوية، وفق التحقيقات المختلفة التي ألقت المسؤولية الكاملة عنها على السلطات الإسرائيلية، التي سهلت وأجازت وأشرفت على تنفيذها، مسجلةً بذلك واحدة من أبشع المجازر البشرية في التاريخ الحديث. أصبحت مقبرة صبرا وشاتيلا الشاهدة على الجريمة البشعة والمجزرة المروعة مزاراً للفلسطينيين عموماً، وخاصةً لأولئك الذين فقدوا بعضاً من أفراد عائلتهم، حيث ما زالت قلوبهم تحمل غصة الألم ولوعة الفقد، وتكتوي بنار الحرمان وفاجعة الخسارة، رغم مرور أكثر من أربعين سنة على ارتكابها، إلا أن معالمها ما زالت حاضرة وماثلةً أمام العيون، وشاخصةً في وجه العالم شواهد حجرية تحمل أسماءً بشرية، وقبوراً متراصة تحوي رفاة آلاف الضحايا من الأطفال الرضع والصبيان والنساء والشيوخ، حيث لم تكن القلوب الحاقدة والعنصرية البغيضة تفرق بنيران بنادقها بين فلسطيني ولبناني، وبين صغيرٍ وكبيرٍ أو امرأةٍ ورجلٍ. لكن هذه المقبرة التي باتت تحمل رمزيةً خاصة، ويحيي ذكرى مجزرتها الفلسطينيون واللبنانيون، وتؤمها وفودٌ عربيةٌ ودولية، شعبيةٌ ورسميةٌ، وشخصياتٌ رمزية سياسية وروحية، وأخرى فكرية وفنية، وتحرص على أن تضع أكاليل الورد على “نصب” المجزرة التذكاري، وتلقي كلماتٍ بالمناسبة، تدين فيها مرتكبي المذبحة، وتحمل سلطات الكيان الصهيوني المسؤولية عنها، ولا تبرئ المجتمع الدولي وعواصمه الكبرى من المسؤولية عنها، وتطالب الهيئات الحقوقية والمؤسسات القانونية والمحاكم الدولية، بضرورة ملاحقة المسؤولين ومحاسبتهم، وعدم التهاون في معاقبتهم أياً كانت مناصبهم ومسؤولياتهم الحكومية، والتأكيد على أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، ولا تغلق ملفاتها بموت جناتها. باتت هذه المقبرة الشاهدة على الجريمة والدالة على المجرمين، تواجه تهديداً حقيقياً يستهدف وجودها، ويهدد بقاءها، مما يستدعي سرعة التدخل من جميع الجهات المسؤولة للحفاظ عليها، وعدم السماح بجرفها أو إغلاقها، فهذه المقبرة وإن كانت مشادة على أرضٍ خاصة، يملكها مواطنون لبنانيون، ويحق لهم بموجب القانون التصرف الحر بها وبممتلكاتهم، إلا أنها لم تعد عقاراً خاصاً أو أرضاً عادية، يجوز جرفها وإعادة تخطيطها، أو تغيير تصنيفها وتحويل صفتها، بما يهدد رمزيتها ويشطب ذاكرتها، ويزيل من على الأرض الشواهد الدالة على الجريمة، ويمسح أسماء الضحايا ويلغي حضورهم. مصطفى اللداوي يكتب: هل يكون محمود عباس آخر رؤساء السلطة الفلسطينية وعليه استكمالاً للجهود الوطنية اللبنانية التي تقع المقبرة ضمن مسؤوليتها العقارية، التي تبذل جهوداً مقدرة للحفاظ على المقبرة، ومنع التعديات عليها، وتسعى لاسترضاء ملاكها والتوصل معهم إلى حلولٍ تحفظ حقوقهم ولا تظلمهم، بما يحفظ المقبرة ويبقي على وجودها ويحول دون إزالتها، فإنه يجب على الجهات الفلسطينية كلها، سواء كانت سلطة أو فصائل، أن تعنى بهذه المسألة عنايةً كبيرة، وأن توليها اهتماماً خاصاً، وأن تسعى بالتعاون مع السلطات اللبنانية المسؤولة للتوصل إلى صيغة مرضية، تحفظ المقبرة وتبقيها، وتحفظ حقوق ملاك الأرض وترضيهم، ولن تعدم أمتنا العربية الخير أبداً، وسنجد فيها الكثير ممن يرغبون في المساهمة في هذه المسألة القومية، وإيجاد حلٍ يصون المقبرة ويحفظها ونصبها التذكاري. وخلال ذلك يجب على الجهات المسؤولة، الفلسطينية واللبنانية، تشكيل هيئة وطنية مشتركة للحفاظ على المقبرة وصيانتها، والاهتمام بها ورعايتها، وتسويرها وحمايتها من أي تعدياتٍ عليها، والإشراف على نظافتها وتوفير الخدمات فيها، وإعادة تنظيمها لبيان أعداد الشهداء وجنسياتهم، وأجناسهم وأعمارهم، والعمل على تنظيم برامج خاصة بها، وتصميم لوحاتٍ جدرانية تصور المجزرة، وتوفير منشوراتٍ وإنتاج أفلامٍ تسجل فيها حقيقة ما تعرض له سكان المخيمين، وتبين المجرمين الذين نفذوا المجزرة، وتفضح كل الجهات المتورطة فيها، وتسلط الضوء على التواطؤ الدولي والصمت المخزي إزاء هذه الجريمة ومرتكبيها. مصطفى اللداوي يكتب: الإدارة الأمريكية تذرُ الرماد في عيون الفلسطينيين لسنا من هواة البكاء على القبور، ولا نحب الوقوف على الأطلال، ولسنا قلقين على شهدائنا في أي أرضٍ دفنوا، وتحت أي ثرى رقدوا، وأياً كانوا أجساداً اكتملوا أو أشلاءً تمزقوا، فنحن نحتسبهم شهداء عند الله عز وجل، منزلتهم عالية، ومكانتهم رفيعة، ومقامهم سامٍ، ودرجتهم عليةٌ، ونعتقد أنهم في الجنة يحبرون مع الأنبياء والصديقين ومن سبقهم من الشهداء، وأن أرواحهم في حواصل طيرٍ خضرٍ تحت عرش الرحمن، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نوثق الجريمة، وأن نخلد المجزرة، وأن نبقي على قضيتهم حاضرة، فهم ما قتلوا إلا لأنهم فلسطينيون وإن كان منهم لبنانيون، وما قتلهم إلا الإسرائيليون وإن نفذ أمرهم غيرهم، فهل في الأمة من زبيرٍ حرٍ ينبري للتصدي لهذه المسألة، ويعجل في الحفاظ على هذه المقبرة الشاهد، بمالٍ يؤديه، أو برنامجٍ ينفذه، أو مشروعٍ يعده.

مشاركة :