وكان الكرملين اعتبر الأسبوع الماضي أن عزم أرمينيا على المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية "معادٍ جدًا" لروسيا، لاسيما وأن هذه الهيئة القضائية التي تتخذ من لاهاي مقرا، أصدرت في آذار/مارس مذكرة توقيف بحق الرئيس فلاديمير بوتين بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين خلال الحرب التي تشنّها موسكو ضد كييف. وتأتي المصادقة في ظل توتر في العلاقات بين يريفان وموسكو بعد العملية العسكرية التي شنتها باكو في ناغورني قره باغ، وانتهت باستسلام الانفصاليين وفرار غالبية السكان الأرمن من الإقليم بعد نزاع مع أذربيجان على الإقليم امتد لعقود. وبنتيجة مداولات سريعة، صادق البرلمان الأرميني على نظام روما بغالبية 60 صوتا مقابل 22. وقبيل التصويت، أكد رئيس لجنة الشؤون القانونية في البرلمان يغيشه كيراكوسيان "نقوم بتوفير ضمانات إضافية لأرمينيا" في مواجهة أي تهديد محتمل لسلامة أراضيها من أذربيجان. وأشار الى أن المصادقة على نظام روما ستعني أن أي اجتياح مقبل لأراضي البلاد "سيكون (مسألة) ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية"، وهو ما سيكون له "تأثير رادع" لأي طرف معادٍ. وكانت أرمينيا وقعت نظام روما في العام 1999 من دون أن تصادق عليه، معللة ذلك في حينه بتعارض بين بعض بنوده ودستورها. ومنذ ذلك الحين، تمّت إزالة هذه العقبات. - "تأثير سلبي" - وكانت أحزاب المعارضة التي تستحوذ على 36 مقعدا في البرلمان المؤلف من 107 مقاعد، قد احتجت على طرح هذه المسألة وانسحبت من بداية الجلسة. وأتت الخطوة الأرمينية في ظل توتر مع روسيا في الآونة الأخيرة، اذ اتهمت يريفان موسكو التي تنشر قوات لحفظ السلام في قره باغ، بالتخلي عنها في مواجهة باكو وعمليتها التي انتهت باستسلام الانفصاليين الأرمن وإعلانهم حلّ الجمهورية المعلنة من طرف واحد. وسبق للكرملين أن نفى هذه الاتهامات. كما انتقد المتحدث باسم الرئاسة الروسية الأسبوع الماضي، نية أرمينيا المصادقة على نظام المحكمة الجنائية. وقال دميتري بيسكوف لصحافيين إن "هذه القرارات معادية جدًا بالنسبة لنا"، مضيفا "نأمل طبعًا في ألّا يكون هذه القرارات تأثير سلبي على علاقاتنا الثنائية"، مذكّرًا بأن روسيا "لا تعترف" بنظام روما الأساسي وليست من بين الدول التي صدّقت عليه. وأكد كيراكوسيان أن أرمينيا اقترحت على روسيا توقيع "اتفاق ثنائي" يساهم في تهدئة مخاوف موسكو حيال انضمام يريفان الى المحكمة الجنائية، من دون تقديم تفاصيل إضافية. وشهدت الأعوام الأخيرة تقاربا بين أرمينيا والدول الغربية على حساب تحالفها التقليدي مع روسيا. ونشرت موسكو قوات لحفظ السلام في ناغورني قره باغ في أعقاب الحرب الثانية التي خاضتها أذربيجان وأرمينيا بسبب الإقليم في العام 2020، وانتهت بهزيمة يريفان. الا أن هذه القوات لم تؤد دورا يذكر خلال العملية العسكرية الخاطفة التي شنّتها أذربيجان الشهر الماضي في قره باغ، وانتهت ببسطها "السيادة" الكاملة عليه مع استسلام الانفصاليين. والثلاثاء، أشاد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بجنود حفظ السلام، ووجه إليهم الشكر على "ايثارهم واحترافهم اللذين سمحا بتجنب سقوط ضحايا جدد". وأدت العملية العسكرية التي استمرت نحو 24 ساعة، الى مقتل زهاء 600 شخص. وشهد الاقليم موجة نزوح جماعية بعد هدوء المعارك، اذ فرّ نحو أرمينيا أكثر من 100 ألف من سكانه الأرمن، أي نحو 85 بالمئة من عددهم الإجمالي الذي كان يقدّر رسميا بـ120 ألف نسمة. ومنذ سقوط الامبراطورية الروسية، شكّل جيب ناغورني قره باغ ذو الغالبية الأرمنية، جزءا من أراضي أذربيجان. وأعلن الانفصاليون بدعم من أرمينيا، استقلالا من جانب واحد في 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأقاموا جمهورية لم يعترف بها المجتمع الدولي. وشكّل الاقليم موضع نزاع بين أذربيجان وأرمينيا على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وخاض البلدان حربين بسببه، الأولى بين 1988 و1994، والثانية في خريف العام 2020. كما اتهمت أرمينيا أذربيجان بانتهاك سيادة أراضيها في أيار/مايو 2021 للسيطرة على جزء من إقليم قره باغ.
مشاركة :