الخطأ الذي لا يغتفر

  • 10/4/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ماجد الجريوي MajedAljuraywi@ يتفرق العالم أشتاتاً بفعل المصالح وتقاطعات السياسة، فيتحول إلى بؤر من الصراعات الساخنة والباردة، ليبقى الجميع على سطح براكين تزمجر، ولا يعرف أحد متى ستميد الأرض لتجعل عاليها سافلها. لكن، ولحسن الحظ، هناك كثير من بؤر التبريد التي تمارس وجودها، مستندة إلى القواسم المشتركة بين شعوب الأرض، والإحساس الإنساني بقيمة الحياة التي يعيشها الفرد ولا تتكرر في الدنيا. وتبرز بين هذه البؤر واحة كرة القدم، معشوقة الملايين على نطاق كل العالم، التي تخفق لها الأفئدة، وتتطلع لها العيون، وتهب المتعة والإثارة والسعادة، في أجواء من المشاركة في الإحساس، والتنافس الشريف، بلا أجندة سوى المتعة الإنسانية التي يحققها عالم المستديرة. مع ذلك، تأبى بعض أصابع العبث إلا أن تتلاعب بهذا العالم من عوالم الرياضة، فتتسلل خلسة لتترك بثورها على الوجه الجميل، وتحيل هذا العشق المشترك الذي يُعلي من قيمة التقارب بين الشعوب، إلى ساحة نزال، بتمرير الأجندة، وتوظيف الإشارات، لتحيل الاحتفاء إلى مساحة أخرى من مساحات السياسة، وتؤجج الصراع في معترك لا يجب تلويثه بهذه النَّزعات. والشواهد ليست خافية، فالبيّنة على ما يمكن أن يهدمه تسييس الرياضة حاضرة جليّة، فقد التقط الجميع بالأمس تلك الإشارة التي تم إقحامها في الملعب بوضع مجسم يقفز بالصراع الذي أزهق آلاف الأرواح إلى الأذهان، ممتطياً صهوة واحدٍ من أباطرة ذلك الصراع متمثلاً في (قاسم سليماني)، ليحمل المجسم رسالة سياسية من الدرجة الأولى، تؤجج القلوب، وتنكأ الجراح، وترسل إشارات لا تليق بالرياضة وعالمها، ولا يحتملها لقاء انتظره محبو الكرة بشوق بين فريق الاتحاد السعودي ومضيفه سباهان أصفهان الإيراني، ضمن منافسات الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا. إن عشرات الآلاف الذين امتلأ بهم الاستاد، والذين حضروا للاستمتاع بلقاء كروي يبقى في أذهانهم مدى الحياة، ويشاهدون من خلاله نجوماً في ساحة الكرة لا تتاح الفرصة كثيرا لمشاهدتهم، كل هؤلاء جاءوا من أجل كرة القدم لا من أجل ممارسة الغرض ودس السم في العسل. كما أن الملايين الذين قبعوا خلف الشاشات واقتطعوا من وقتهم ليكونوا حضوراً لتفاصيل المناسبة الرياضية، لم يكونوا في انتظار أن يتحول اللقاء إلى ساحة للسياسة، تمزق ما تسعى الرياضة لرتقه، وتهدم أهم أركان الرياضة في التسامح والتلاقي والتقارب وتحيله إلى ركام. إن تسييس الرياضة عمل يتسم بالرعونة، ويقود إلى فتق الجراح التي تكاد أن تبرأ، لتعود القروح أليمة ونازفة وبعيدة عن الشفاء. ولذلك فإن وضع ذلك المجسم كان تصرفاً أخرج الرياضة عن إطارها الطبيعي، ومثّل سلوكاً استفزازياً ليس مكانه استادات التباري الرياضي الشريف. للأسف، لم يكسب أحد مما جرى، حيث انهار اللقاء الذي كان يترقبه الجميع، وحدثت الخسارات الفادحة سواء للجماهير التي حضرت للاستاد، أو لمحطات التلفزة التي اقتطعت وقتها ومالها من أجل نقل المباراة للملايين عبر الشاشات، أو للاعبين والإداريين والطواقم الفنية المصاحبة للفريقين، إضافة لما تركته الحادثة من أثر في القلوب كان بالإمكان تفادي حدوثه. تسييس الرياضة سلوك لا تقبله النفوس ولا تجيزه الأنظمة الدولية في المجال الرياضي، ومن يلجأ إليه يستحق العقاب... فلا مجال لمثل هذه السلوكيات، ولا تسامح مع من يصب الوقود في الحرائق بدلا من العمل على إخمادها.

مشاركة :