أنقرة - يواجه رئيس تحرير محطة تلفزيونية تركية معارضة عقوبة بالسجن أكثر من عشر سنوات على خلفية تصريحات أدلى بها على الهواء بشأن مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، في أحدث حلقة من حلقات التراجع الكبير في حرية التعبير في تركيا وتضييق الخناق على كل الأصوات المعارضة لسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان. ووُجّهت لرئيس تحرير قناة "تيلي 1" مردان ينارداغ الذي بدأت محاكمته اليوم تهمة نشر "دعاية إرهابية" و"الإشادة بمجرمين" في أحد برامجه في يونيو/حزيران. ويشير أنصار ينارداغ إلى أن قضيته تؤكد على تراجع الحريات المدنية والإعلامية على مدى عقدين من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، لكنها تسلّط الضوء أيضا على الانقسامات العميقة داخل المجتمع التركي بشأن طريقة تعامله مع الأقلية الكردية المضطهدة منذ زمن بعيد. وتساءل ينارداغ عن سبب إبقاء أوجلان الذي قاد تمرّدا أطلقه حزب العمال الكردستاني المحظور إلى حين قبض القوات التركية عليه عام 1999، قيد الحبس الانفرادي على جزيرة في بحر مرمرة. وقال "لو أن إجراءات السجن الطبيعية طُبّقت، لكان من المفترض بأن يُطلق سراحه أو يوضع قيد الإقامة الجبرية. لا مكان للعزل المطبّق بحق أوجلان في القانون. يجب رفعه". وأضاف أن "عبدالله أوجلان ليس شخصا يُستخف به.. تحوّل تقريبا إلى فيلسوف في السجن إذ أن لا شيء لديه للقيام به غير القراءة. إنه شخص ذكي جدا يفهم السياسة جيّدا". واعتقلت الشرطة ينارداغ (64 عاما) في غضون ساعات من انتهاء برنامجه المباشر في 27 يونيو/حزيران، فيما لا يزال في انتظار محاكمته. ويدعو طاقم قناة "تيلي 1" ومجموعة من النواب والكتّاب المعارضين العلمانيين إلى الإفراج فورا عن ينارداغ، مشيرين إلى أن تصريحاته أُخرجت عمدا عن سياقها ونشرها أعضاء من حزب أردوغان "العدالة والتنمية" وشخصيات قومية متشددة على وسائل التواصل الاجتماعي. وذكرت "تيلي1" أن ينارداغ كان في الواقع ينتقد مقترحا لنواب من حزب العدالة والتنمية لإعادة إطلاق عملية سلام جرت بين العامين 2013 و2015 مع قادة التمرّد الأكراد. وتصنّف تركيا وحلفاؤها في الغرب حزب العمال الكردستاني ضمن المنظمات الإرهابية لإطلاقه تمرّدا دام أربعة عقود وأسفر عن سقوط عشرات آلاف القتلى. واعتبر أردوغان المحادثات في البداية فرصة للطرفين لوضع حد للعنف وإيجاد حل دائم يقوم على إعطاء الأكراد حقوقا ثقافية أوسع في جنوب شرق تركيا. لكنه انسحب منها بعدما تم اغتيال عنصرين في الشرطة في يوليو/تموز 2015 في عمليتين أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عنهما في البداية قبل أن ينبذهما لاحقا. وسرعان ما استأنفت تركيا بعد ذلك عملياتها العسكرية ضد المجموعات الكردية التي تمددت مذاك إلى شمال العراق وأجزاء من سوريا. وبدأ النقاش في "تيلي1" بشأن أوجلان بعد وقت قصير من الهزيمة التي ألحقها أردوغان بزعيم المعارضة العلماني كمال كيليتشدار أوغلو في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار. وتقارب كيليتشدار أوغلو في البداية مع المجموعات الكردية قبل أن يبدّل موقفه بعد الجولة الأولى في محاولة واضحة لخطف أصوات القوميين من إردوغان. ويحاول حزب أردوغان حاليا كسب الناخبين الأكراد قبيل انتخابات مارس/آذار البلدية التي تهدد بوضع حد لسيطرة المعارضة على مدن مهمة مثل إسطنبول وأنقرة. وبدا أن ينارداغ كان يحاول خلال البرنامج الإشارة إلى التناقضات في مقاربة حزب العدالة والتنمية المرتبطة بأوجلان والقضية الكردية، قائلا على الهواء "تحتجزونه رهينة وتتفاوضون معه". وتُصنف تركيا ضمن أكثر 10 دول سجنا للصحفيين، فيما أشار تقرير سابق إلى أن ثلث الإعلاميين المسجونين في العالم هم أتراك. وأشارت منظمة 'مراسلون بلا حدود' في تقرير نشرته في مايو/أيار الماضي إلى تدهور وضع الصحافة في تركيا، في ظل ملاحقة النظام التركي للصحفيين للتعتيم على الأزمة الاقتصادية والانتقادات المتصلة بانتهاك أنقرة لحقوق الإنسان. واحتلت تركيا المرتبة 149 من أصل 180 في تصنيف حرية الصحافة لعام 2022 الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود. ويشكل 'قانون الرقابة' الذي أقره البرلمان التركي العام الماضي 'سيفا' مسلطا على رقاب الصحافيين إذ يفرض عقوبات تصل إلى السجن ثلاث سنوات بحق أي إعلامي ينشر "معلومات كاذبة أو مضلّلة" كما يستهدف أيضا شبكات التواصل الاجتماعي.
مشاركة :