في عالم يفتقر فيه أكثر من ملياري شخص إلى إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة، ويعاني فيه أربعة مليارات شخص -أي نحو ثلثي سكان العالم- ندرة حادة في المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام، أضحت قضية المياه تشكل ملفا أساسيا لعديد من دول العالم، إذ إن الجفاف والفيضانات والتلوث ترافقها عادة زعزعة في الاستقرار الاقتصادي، وعدم استقرار في إمدادات الغذاء والطاقة، وتحديات الاستدامة البيئية، ولهذا السبب أصبح المجتمع الدولي -الآن أكثر من أي وقت مضى- أكثر حرصا على تطوير الآليات المناسبة لمواجهة تفاقم أزمة المياه. وفي هذا السياق، وبوصفها إحدى الدول التي تعاني شح مصادر المياه، كانت السعودية من أوائل الدول التي بادرت لتبني الحلول لمختلف التحديات المرتبطة بالمياه، وآخرها إعلان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إنشاء المنظمة العالمية للمياه ومقرها الرياض، في مبادرة تجسد إدراك المملكة الدور الحيوي للمياه لضمان مستقبل البشرية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقليل المخاطر المرتبطة بإمدادات المياه العذبة في العالم. وحظي هذا الإعلان بصدى واسع في الأوساط العلمية والأكاديمية، حيث أعرب عديد من الخبراء والعلماء البارزين عن دعمهم المبادرة السعودية، التي من المتوقع أن تعمل على تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه وفق منظور شامل، كما ستساعد على تعزيز تبادل الخبرات دعما للتجارب التكنولوجية والابتكار والبحث والتطوير، والإسهام في تمكين المشاريع ذات الأولوية وتسهيل تمويلها. وتعليقا على هذه المبادرة السعودية، قال الدكتور ستيفان أولنبروك مدير الهيدرولوجيا والمياه والغلاف الجليدي في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في جنيف "على خلفية الديناميكيات العالمية سريعة التحول والتأثير العميق للتغير المناخي في الدورة الهيدرولوجية، هناك حاجة ملحة إلى التعمق في فهم العمليات الهيدرولوجية على مختلف المستويات، وهذا جانب أساسي لإدارة مواردنا المائية الثمينة على نحو مستدام". وأضاف "لا بد لي هنا أن أشيد بالمبادرة الطموحة التي طرحها ولي عهد السعودية لإنشاء منظمة عالمية للمياه، حيث ستكون لهذا الأمر أهمية بالغة في ضمان الوصول العادل إلى موارد المياه النظيفة والمستدامة للجميع. وينبغي أن تتمحور المهمة الأساسية للمنظمة حول تعزيز أنظمة المراقبة والنمذجة، ما يمكننا من تكوين فهم أفضل للحالة دائمة التطور لمواردنا المائية". ومن خلال الأخذ في الحسبان التفاعل المعقد بين التغيرات المجتمعية والبيئية، ستمكننا هذه الأنظمة من تقديم تنبؤات مستنيرة حول مستقبل مواردنا المائية في مناخ دائم التغير". بدوره، قال البروفيسور ماثيو مكابي مدير مبادرة المناخ وقابلية العيش في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست"، الحائز جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه "لطالما شكلت المياه محركا رئيسا للتقدم البشري، وعاملا أساسيا في تحقيق الازدهار الوطني، فالمياه بإمكانها أن تعزز السلام أو تشعل الصراعات، كما يمكنها تحقيق النمو أو التراجع الاقتصادي". وأضاف "مع ذلك، هناك تفاوت كبير في المياه في جميع أنحاء العالم، خاصة فيما يتعلق بتوفير إمدادات المياه الآمنة والمستدامة، في ضوء ذلك، ستعزز المنظمة العالمية للمياه، التي أطلقها ولي العهد، التركيز والاهتمام الذي تشتد الحاجة إليه لبعض أهم التحديات المتعلقة بالمياه التي يواجهها العالم اليوم". وتابع "من خلال تعزيز الابتكار التكنولوجي وتبادل المعرفة وتبادل المعلومات، ستساعد هذه المبادرة على ضمان مستقبل مائي أكثر أمانا للجميع". من جانبه، ذكر البروفيسور مناحيم إليمالك أستاذ الهندسة الكيميائية والبيئية في جامعة ييل، الحائز جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، وعضو الأكاديمية الوطنية للهندسة في الولايات المتحدة أن "الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والمجاري المائية الخالية من التلوث والأمراض حق أساسي من حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن عديدا من دول العالم يعاني عدم المساواة في المياه، ما لا يؤثر في الرخاء الاقتصادي فحسب، بل في صحة الإنسان ومعيشته". وتابع "لقد قادت العلوم والتكنولوجيا ابتكارات مذهلة في معالجة المياه وتوزيعها، لكن لا يزال من الواجب فعل كثير لجعل تلك الابتكارات في متناول الجميع، ويمكن للمنظمة العالمية للمياه أن تساعد على سد هذه الفجوة وجذب انتباه العالم إلى قضية تؤثر في مستقبل البشرية". وعن المخاطر التي تعترض الأمن المائي، ذكر البروفيسور دينيس ليتينماير الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عضو الأكاديمية الوطنية للهندسة في الولايات المتحدة "على الرغم من دوره المركزي في جميع قطاعات المجتمع الحديث، إلا أن الأمن المائي معرض للخطر في عديد من دول العالم جراء زيادة التلوث والاستخراج غير المستدام وسوء الإدارة وتداعيات التغير المناخي بالطبع". وتابع "هذا ينطبق بشكل خاص على السعودية التي تعد معظم مناطقها قاحلة، وتؤثر هذه التداعيات في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، لذا فإن الاستجابة العالمية مطلوبة، إذ ستوفر المنظمة العالمية للمياه التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان آلية للبلاد لممارسة دور ريادي في توفير هذه الاستجابة المنسقة". بدوره، بين الدكتور كيفن ترينبيث الباحث في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في الولايات المتحدة في معرض حديثه عن أهمية المياه كشريان للحياة، أن "كثرتها تؤدي إلى مخاطر طبيعية مثل الفيضانات، في حين إن قلتها تؤدي حتما إلى الجفاف، ومن المرجح أن تتزايد هذه الظواهر المتطرفة جراء التغير المناخي في العقود المقبلة". وتابع "ستؤدي التحديات التي يفرضها التغير المناخي، إلى جانب الإفراط البشري في استغلال الموارد المائية، إلى الضغط بشكل هائل على سلامة شبكات المياه والبنية التحتية وأمنها". وأشار إلى أن المنظمة العالمية للمياه باستطاعتها أن تقوم بدور محفز في المساعدة على حل هذه المشكلات العالمية وإنشاء المعارف والأدوات اللازمة لإدارة المياه بشكل أفضل وتحسين استدامة موارد المياه وتوافرها، ولا سيما لمن هم في أمس الحاجة إليها. من ناحيته، قال البروفيسور هوارد ويتر، من المعهد العالمي للأمن المائي في جامعة ساسكاتشوان في كندا "إن أنظمة المياه في العالم تتعرض لضغوط غير مسبوقة بسبب النمو السكاني والتغير المناخي، ويعد إعلان السعودية إنشاء المنظمة العالمية للمياه واحدا من الأخبار السارة النادرة". وتابع "بناء على الشهرة العالمية للمملكة كدولة رائدة في تكنولوجيا المياه، واحتضانها جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، آمل وأتوقع أن تقوم المنظمة العالمية للمياه بدور عالمي رئيس، بحيث توفر الرؤية والموارد اللازمة لتحفيز المجتمع الدولي على معالجة المشكلات الأكثر صعوبة في القرن الـ21". وأضاف "من خلال مكانة المملكة الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية، وبوصفها دولة رائدة عالميا في مجال تحلية المياه، تملك مقومات مثالية لاستضافة المنظمة، وبمقدورها التعاون مع الدول الأعضاء على قيادة الجهود ذات الصلة والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالأمن المائي".
مشاركة :