يمضي الفنان السوري سمير رحمون البالغ من العمر (65 عاما) ساعات طويلة، وهو جالس وراء طاولة خشبية صغيرة في منزله الكائن بدمشق، وبيده مشرط صغير، يقوم بتشكيل لوحة فنية مصنوعة من الكرتون التالف، تجسد حارات وأبواب دمشق القديمة، التي عشقها وانطبعت بمخيلته منذ الطفولة. والرجل الستيني بالعمر، وعبر أدواته البسيطة، مقص، ومشرط، ومسطرة، ولاصق، يقوم بجمع الكرتون التالف وبعض الأشياء التي لا قيمة لها، وبعد معالجة تأخذ منه جهدا كبيرا، يحولها إلى لوحات فنية جميلة تحمل عشقه لمدينة دمشق القديمة، ويصنع من " لا شيء كل شيء" حسب قوله. والفنان السوري رحمون الملقب بأبي حسان، هو موظف حكومي متقاعد، لم يدرس في المعاهد قواعد الرسم، أو يتعلم كيفية تشكيل اللوحات الفنية، وإنما حبه للرسم والفطرة التي يمتلكها بداخله دفعته إلى هذا الشيء، فبدأ يعمل مجسمات صغيرة، وهذه الأشياء البسيطة لاقت استحسانا من قبل محيطه، الأمر الذي شجعه ليخوض غمار التجربة ويبدأ العمل بتجسيد لوحات فنية مصنوعة من الكرتون تمثل البيوت الدمشقية والحارات القديمة بأسلوب فني جميل ينم عن موهبة حقيقية. والرجل الستيني يتجول بشكل دائم في حارات دمشق القديمة، وفي أسواقها ويتأمل بدقة الأبواب والبيوت كيف صنعت ويشاهد الجدران القديمة وألوانها المتداخلة الأبيض والأسود والبرتقالي، ويخزنها بذاكرته، وعندما يعود إلى المنزل يبدأ باسترجاع ما شاهده، وهذا الشيء يحفزه على العمل لتشكيل لوحات مصنوعة من الكرتون وبعض المواد الأخرى ليعيدها إلى الحياة من جديد. وقال رحمون لوكالة أنباء ((شينخوا)) "بعد تقاعدي من العمل الوظيفي شعرت بشيء من السكون في حياتي، وأنا قبل ذلك كنت أحب الرسم وصنع تحف من الأشياء التالفة من الكرتون والقماش والعبوات البلاستيكية الفارغة وغيرها" ، مؤكدا أن الفراغ الذي وجده بعد التقاعد دفعه لتنمية هذه الموهبة التي كانت مختزنة بداخله. وتابع يقول " أنا أصنع من لا شيء كل شيء، وخلال تجوالي في حارات دمشق وأسواقها، والتي أعشقها منذ طفولتي، أقوم بتأمل كل المفردات في تلك الحارات، الأبواب النوافذ وحتى الجدران ومداخل الحارات القديمة كلها، وعندما أعود إلى البيت أقوم باسترجاع كل الصور التي اختزنتها بمخيلتي وأجسدها في لوحات مصنوعة من الكرتون والأقمشة ولتصبح بعد أيام لوحة تحمل عشقي لهذه المدينة التاريخية ". وأشار إلى أن عمله في اللوحات التي يجسدها يبدأ بشكل عشوائي ولا يوجد قاعدة للعمل فيها، مبينا أنه في كثير من الأحيان يقوم برمي اللوحة لأنها لم تعجبه. وقال رحمون " أعمل بشكل عشوائي وليس هناك قاعدة أمشي عليها في بناء اللوحة ، مرة أبدأ من الأسفل، أي بتشكيل درج المنزل، ومرة أخرى أعمل في تصميم الشرفة، وتارة أخرى أرسم المنظور"، مؤكدا أن العمل لا يبدو سهلا لأن تنفيذه يحتاج إلى دقة ومهارة . وأضاف " كل الأعمال التي اشتغلتها تمثلني وتشبهني من الداخل، وتحمل شيئا من روحي "، مشيرا إلى أنه في أحد المرات أراد بيع أحد اللوحات التي نفذها فبكى، وعندما سئل لماذا تبكي، قال " لقد بعت أحد أولادي "، مبينا أن أي عمل يجسده له قيمة معنوية بداخله. ورأى رحمون أن عمله لا يقل أهمية عن عمل الفنانين التشكيليين، لأنه ـ حسب رأيه ـ فيه رؤية فنية وجمالية وجهد كبير، مؤكدا أن المواد التي يعمل بها تحتاج إلى مهارة عالية. ومن جانبه اعتبر الفنان التشكيلي لؤي الشعار (52 عاما)، وهو فنان مقرب من سمير رحمون، أن ما يقوم به رحمون فيه إبداع ويرتقي لمستوى الفن الراقي. وقال الفنان الشعار إن " الفنان رحمون يجسد في أعماله المصنوعة من الكرتون التالف وغيره من المواد، المنظور أي البعد الثالث، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى دراسة أكاديمية، لكن رحمون يمتلك ذلك بالفطرة "، مبينا أن اللوحات التي يجسدها هي لوحات تحمل قيمة فنية جميلة. وبدورها عبرت سلمى المحمد (35 عاما)عن سعادتها باللوحات التي يقدمها الفنان سمير رحمون، لأنها فيها حس حقيقي يتجسد في اللمسات التي يضعها عبر تشكيل البيوت الدمشقية. وقالت سلمى "اشتريت أكثر من لوحة من الفنان رحمون، لأنني أعشق حارات دمشق القديمة، إضافة لبعض التحف التي يصنعها من المواد التالفة ويحولها إلى شيء جميل يحمل روحا جديدة".
مشاركة :