أعرف جيّداً أن الأحلام لا يُعتدّ بها كثيراً، فهي ليست حقائق من علم اليقين، ولا هي حتى قطرة من بحر التجليّات الإشراقية، التي طالما غمرنا بأنوارها النظام العربيّ على مرّ العقود، فها نحن في خضمّها غارقون، نتنفس تحت الماء، نغرق، نغرق، نغرق. لم أرَ في يقظة أو منام وجهاً صارماً كهذا، كأنه الفيلسوف الألمانيّ هيغل. مجرّد تشبيه، معاذ الله أن تكون إشارة إلى مقولته المرعبة: إن كل فكرة تحمل في طيّاتها بذور فنائها. قلت: مَن جنابك؟ قال المصير. قلت: وما لك كأنك غربان هيتشكوك؟ قال: كلٌّ يراني بعين أوضاعه، والعالم العربيّ ليس استثناء. مثلما تكونوا أَبْدُ لكم. قلت: يعني في طبعك تلّون الحرباء؟ قال: لله درّ العربية، فكأن الحرباء في هذا الثلاثيّ اعتادت الحرب فصارت دينها وديدنها، فأنتم من حرب إلى حرب. كل ويلاتها لكم وبكم وفيكم ومنكم وإليكم وعليكم. وهكذا نصيبكم حروف الجرّ والانجرار. قلت: هذا كلام فيه ما فيه. فهمنا حروف الجرّ، فما حروف الانجرار؟ قال: أقصد حروب الانجرار، التي تكسر الأوطان كسر الجرار. إنها مثل الزحليقة، تلك العربة الصغيرة التي تنحدر براكبها في جدول جليديّ بسرعة جنونيّة، فلا يستطيع بعدُ إيقافها أو الرجوع إلى أعلى. لقد جعلكم قبضايات العالم تنجرفون في متعة إلى وضع أيديكم في كل ما كان من المحظورات المحرّمات في تراثكم. بصمتم بالعشر طواعية على أشكال من الغزو والاحتلال بذرائع ذئبيّة تزيّت ببراءة القانون الدوليّ. بصرف النظر عن جدل الحق والباطل، صار من حقّ فتوّات الأرض إطلاق كذبة يعدمون بها رموز بلدانكم. وغدا أيّ معارض قادراً على النطق بالقتل، فهل تقبلون أن يصبح الأمر علكة في أفواه أيّ كان في المنابر الرسميّة الدولية؟ في هذا المستوى، برافو على حرية التعبير. أين منكم الولايات المتحدة، فالشاب الذي تهدّد ترامب بالقتل مازحاً، طردوه؟ قلت: العرب أهل اجتهاد واختبار علميّ. لقد أرادوا أن يروا كيف تكون العاقبة إذا قلبنا المقولة، وقلنا: اخذل أخاك ظالماً أو مظلوماً. ثم إن طلب القوة يكون بالوقوف إلى جانب القويّ، لأن تقوية الذات ليست من مناهج تربيتنا وتعليمنا، ثم إنها تحتاج إلى جهود جبّارة ونحن نهيم بالجاهز الآنيّ، ولله درّ الطغرائيّ: فيمَ اقتحامك لجّ البحر تركبهُ.. وأنت تكفيك منه مصّة الوشلِ؟، يعني أن تضع إصبعك في ماء البحر وتمصّها. لزوم ما يلزم: النتيجة النرجسيّة: وتصغر في عين العظيم الهزائمُ. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :