الرياض/القدس - أدت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس وما تلاها من غارات إسرائيلية على غزة، إلى تضاؤل احتمالات الإعلان عن تطييع للعلاقات بين الرياض تل أبيب، بعد أن أكد كلّ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات أدليا بها قبل أيام من تنفيذ الهجوم أن البلدين على وشك إقامة علاقات رسمية. ويهدّد النزاع بين إسرائيل وحركة حماس بزيادة المشاعر المعادية لإسرائيل في السعودية التي كانت قطعت شوطا كبيرا في مفاوضات مستمرة منذ أشهر للتوصل إلى تطبيع تاريخي مع الدولة العبرية برعاية أميركية. ويأتي التصعيد بعد أيام فقط من زيارة وزيرين إسرائيليّين الى الرياض للمشاركة في مؤتمرات دولية، في أول زيارتين علنيتين إلى المملكة، فيما تبارى قبلهما بأسابيع قليلة لاعبون من الدولة العبرية في مسابقة إلكترونية لكرة القدم في العاصمة السعوديّة. وقبل أيام من اندلاع القتال أعرب الطالب الجامعي محمد بن بندر (20 عاما) لوكالة فرانس برس عن معارضته التطبيع بسبب "احتلال" إسرائيل الأراضي الفلسطينية. ومع شنّ الطيران الإسرائيلي آلاف الغارات وتعهده بـتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007، يتوقع أن تزداد هذه الآراء صلابة، وفق ما يرى المهندس السعودي المتقاعد محمد الذي وافق على إعطاء اسمه الثاني فقط لحساسية المسألة. ويضيف محمد بينما يحتسي قهوة في مقهى في جنوب الرياض "التطبيع بات الآن في الدرج"، متابعا "لا أستطيع أن أتخيل أن تعلن السعودية التطبيع مع إسرائيل بينما هناك قصف مستمر على الفلسطينيين. مستحيل!". ومنذ التوصل الى "اتفاقات أبراهام" في العام 2020 برعاية أميركية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، تسري تكهنات حول انضمام السعودية إلى مجموعة الدول المطبعة. ولطالما شدّدت السعودية التي تتمتع بموقع رمزي مهم في العالم الإسلامي على أنّ تحقيق ذلك يتوقف على تطبيق حلّ الدولتين مع الفلسطينيين وعلى تسوية عادلة لقضية اللاجئين، فيما أشار ولي العهد السعودي في حديثه إلى "فوكس نيوز" الشهر الماضي إلى أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة. وأعرب عن أمله في أن تؤدي المفاوضات مع إسرائيل "إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دوراً في الشرق الأوسط". وعلى جدول مفاوضات التطبيع هناك مطالب سعودية بضمانات أمنية من الولايات المتحدة ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني. وأكّدت الرياض في أول ردّ فعل لها على هجوم حماس السبت أنه "نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته". وفجر الثلاثاء، أبلغ الأمير محمد بن سلمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنّه يعمل على منع "اتّساع" نطاق النزاع، مشددا على أنّ المملكة "مستمرة في وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني". ولم يصدر عن السعودية وإسرائيل أي تصريح بخصوص وضع حد لمفاوضات التطبيع بعد التصعيد الأخير، لكنّ المحلّل المقرّب من الحكومة السعودية علي الشهابي قال "أعتقد أنه سيتم تعليق كل شيء حتى نرى ما سيحدث". ولطالما شكّل التعاطف مع القضية الفلسطينية نواة صلبة لدى الرأي العام السعودي. ولم تخض السعودية حروبا مباشرة مع إسرائيل، لكنّ الرياض قادت حظرا تاريخيا للنفط إبان حرب 1973 بين مصر وسوريا والدولة العبرية. وكشف استطلاع نادر للرأي العام أجري بتكليف من معهد واشنطن نشر في مايو/أيار 2023، موافقة 20 في المئة فقط من المستطلعين على أن اتفاقيات ابراهام ستفيد المنطقة فيما وافق 40 في المئة منهم على الروابط الاقتصادية مع إسرائيل. لكنّ معرض الرياض للكتاب عرض الأسبوع الماضي لفافة من الجلد تضم شروحات للتوراة باللغة العبرية يبلغ عمرها نحو 500 عام، ما أثار ردود فعل بعض السعوديين. ويؤيد الطالب الجامعي فيصل بن محمد (21 عاما) التطبيع وقال وهو يحدق في اللفافة "كل ما يجعل بلدي في المقدمة ويساعد على تقدمها ويجعلنا من أوائل دول العالم أرحب به وأقبله بالتأكيد"، لكنّ ليس من الواضح إذا كانت هكذا آراء ستصمد أمام العنف المتصاعد في غزة. وقال موظف المبيعات فهد الذي فضّل اعطاء اسمه الأول فقط إنّ "دماء الفلسطينيين" ستعيق المضي في مشروع التطبيع. وقال الشاب البالغ 30 عاما أثناء متابعة آخر أخبار النزاع على شاشة محطة "الجزيرة" القطرية "كلما زادت الدماء التي ستريقها إسرائيل في غزة، كلما أصبح من الصعب الإعلان عن اتفاق سلام مع إسرائيل". ويؤيد بعض السعوديين فرضية أنّ تكون إيران ضالعة في عملية حماس المباغتة لعرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي وهو اتهام نفته طهران رسميا. وقال منصور المالك على موقع "إكس" (تويتر سابقا)، إن إيران وحزب الله "لا مانع لديهما بأن يُقتل آلاف من أطفال ونساء غزة في مقابل أن تفشل خطة السلام السعودية ويفشل البرنامج النووي السعودي"، مضيفا "سيأتي السلام وسنقوم بتنفيذ كامل برامجنا". لكن الخبير السعودي في العلاقات الدولية هشام الغنّام يرى أنّ الحرب تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للسعوديين بغض النظر عن التقدم على المسار الدبلوماسي. ويقول "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان دائما القضية الأساسية بين العرب والإسرائيليين وطالما لم يتم حل هذا النزاع، سيكون من الصعب تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والحفاظ عليهما". وقُتل 1200 شخص على الأقلّ في إسرائيل منذ بدء هجوم حركة حماس، وفق الجيش الإسرائيلي، في حين قتل ما لا يقلّ عن 1055 فلسطينيًا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.
مشاركة :