مرت إقالة وزير العدل المصري المستشار أحمد الزند من دون تبعات بعد أن «انتفض» القضاة ضد القرار فور صدوره، فيما أظهرت الإقالة في أحد جوانبها، قوة تأثير مؤسسة الأزهر، على الأقل معنوياً. وأعفى رئيس الوزراء المصري الدكتور شريف إسماعيل وزير العدل من منصبه مساء أول من أمس بعد أن رفض الأخير «مبدأ الاستقالة» بسبب تصريحات اعتُبرت «إهانة للنبي»، ما أثار انتقادات أبرزها من الأزهر. وكان الزند ظهر في برنامج تلفزيوني معلقاً على خلافه مع صحافيين قاضاهم بسبب تناولهم وقائع فساد نسبوها إليه إبان توليه منصب رئيس نادي القضاة. وقال: «إذا لم يكن هؤلاء خلق السجن من أجلهم، تكون بُنيت لمن؟»، فسئل: «أتسجن صحافيين؟»، ليجيب: «ولو كان نبياً، عليه الصلاة والسلام، استغفر الله العظيم. المخطئ أياً تكن صفته. القضاة يحبسون. لا أدخل هذه المنطقة. وأقول سجن صحافي أو مدرس». واعتبر الزند أن كلمته «زلة لسان»، لكن الأزهر قال إن «المسلم الحق هو الذي يمتلئ قلبه بحب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وباحترامه وإجلاله، وهذا الحب يعصمه من الزلل في جنابه الكريم». وقال مسؤول مصري لـ «الحياة» إن مؤسسة الرئاسة تلقت أخيراً تقارير عن مشاكل يثيرها وزير العدل السابق بسبب تصريحاته. وأوضح: «لا خلاف على الدور المهم للزند في ثورة 30 يونيو، لكن الوزير السابق أطلق تصريحات حُسبت على الدولة المصرية، وأثارت مشاكل. الإعلاميون والمعلقون وأصحاب الرأي حين يتحدثون عن مؤامرات يحيكها الغرب ضد مصر، ويسمون دولاً ورؤساء دول ضالعون في هذا الأمر، فهذا شأنهم، تلك رؤيتهم وتحليلهم للمشهد، لكن أن يتبنى وزير هذا الأمر، فهذا يثير مشاكل. المؤامرة على المنطقة وفي القلب منها مصر، معروفة للكافة، ولا مشكلة في توعية الشعب من خلال مسؤوليه، لكن أن يُسمي وزير سيادي دولاً ورؤساء ويحط من شأنهم، هذا أمر ما كان يجب أن يحدث». وأضاف: «منظمات دولية غير حكومية مهمة اتصلت بالحكومة المصرية وعبرت عن انزعاج من تصريحات لوزير العدل السابق، فيها إهدار لمبادئ التقاضي. هو أطلق تصريحات من قبيل المشاركة الوجدانية لأسر الشهداء، لكن في النهاية الوزير تصريحاته محسوبة عليه». وكان الزند قال إنه «لا يكفي 10 آلاف إخواني في مقابل استشهاد جندي من الجيش أو الشرطة». كما طلب النظر في تشريع لمعاقبة والديْ من يثبت أنه التحق بتنظيم إرهابي، ولم يُبلغ والداه السلطات. وأضاف أن التصريح الأخير لوزير العدل السابق لم يكن ليمر من دون مساءلة، لافتاً إلى أن بيان الأزهر كان له دور في اتخاذ القرار في خصوص الزند، وهو قرار لمؤسسة الرئاسة قطعاً، إذ أنه يُسمي الوزارات السيادية، ومن بينها وزارة العدل، ويمنح الولاية عليها للرئيس. وأوضح: «رئيس الوزراء طلب من المستشار الزند الاستقالة، فمنصب وزير العدل له جلاله، وما كانت القيادة السياسة ترغب في إقالته. العرف جرى أن يتقدم وزراء العدل بالاستقالة في حال الوصول إلى قرار بتنحيتهم، لكن الزند رأى أن استقالته بسبب هذا التصريح ستُحسب عليه وستُلصق به مسألة إهانة النبي، وهو لم يكن يقصدها، وطلب إعفاءه ضمن تعديل وزاري محدود، وأكد أنه سيوضح موقفه لمؤسسة الرئاسة ولشيخ الأزهر. غير أن القرار كان اتخذ، وحدثت تصرفات رأتها القيادة السياسية غير مُبررة وتمثل ضغوطاً غير مقبولة، كأن يدعو نادي القضاة إلى اجتماع عاجل بالتزامن مع رفض الزند الاستقالة، وأن يصدر بيان من مجلس إدارة النادي يتمسك بالزند وزيراً، ما يُمثل تغوّلاً على السلطة التنفيذية، فصدر قرار بالإقالة». وبعد إقالة الزند، صدرت تصريحات من قضاة تؤكد رفض القرار وتُنذر بالتصعيد. وتوافد عشرات القضاة على ناديهم، وسط مطالب بإصدار بيان يوضح موقف القضاة من الأمر. وبعد ساعات من النقاش بين القضاة، انتهى الأمر بلا تصعيد بعد اتصالات مع شيوخ في القضاء تحدثت عن اعتبار أي موقف من القضاة تدخلاً من السلطة القضائية في أعمال السلطة التنفيذية، باعتبار أن وزير العدل منصب سياسي في الأساس. وقال رئيس نادي القضاة المستشار عبد الله فتحي لـ «الحياة» إن القضاة سجلوا موقفهم بالتحفظ على طريقة إطاحة الزند، مشدداً على أنهم يعرفون جيداً حدود سلطتهم، وأن ما نُسب إليهم بـ «التصعيد» أمر «غير صحيح». وأضاف أن القضاة أول من يحترمون الدستور والقانون، وفي القلب منها مبدأ الفصل بين السلطات، لافتاً إلى أن بيان مجلس إدارة نادي القضاة بالتمسك بالزند وزيراً للعدل، صدر قبل إعلان قرار الإقالة. ومضت ساعات الليل بعد إقالة الزند في اتصالات بين القضاة المنتدبين للعمل في وزارة العدل، للتحرك في اتجاه الطلب من المجلس الأعلى للقضاء إنهاء ندبهم، والعودة إلى منصة القضاء لتسجيل احتجاجهم على إقالة الزند. لكن العمل انتظم داخل الديوان العام للوزارة من دون تقديم القضاة الغاضبين تلك الطلبات، وذلك بعد لقاءات ومناقشات مع زملاء ورؤساء لهم لإثنائهم عن تلك الخطوة، حتى لا يُحسب على القضاة أنهم قادوا احتجاجاً ضد قرار تنفيذي. وأصدر الأزهر بياناً أمس نفى فيه أن يكون شيخه الدكتور أحمد الطيب، الذي يزور ألمانيا، اتصل بالزند مساء أول من أمس. وقال بيان الأزهر إن الطيب هو الذي وجه شخصياً مساء السبت الماضي بإصدار بيان يوضح عدم جواز التعرض إلى مقام النبوة الكريم قبل سفره إلى ألمانيا. وأضاف: «فور وصول شيخ الأزهر إلى برلين مساء الأحد، أصر المستشار أحمد الزند (قبل إقالته) على الاتصال هاتفياً به في مقر إقامته، وأوضح له أنه لم يقصد أبداً الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يمكن أن يقصد هذا، لكن المحاور هو من استفزه خلال الحوار، فتلفظ بهذه الألفاظ من دون أن يقصد معناها، كما ذكر (الوزير السابق) أن بيان الأزهر جاء متوازناً جداً، وأنه شخصياً يتفق مع ما كل ما جاء فيه وضرورة الحذر عند التعرض إلى مقام النبوة الكريم».
مشاركة :