بعد معلومات عن تعليقها، مسؤولون في الاتحاد الأوروبي ومراقبون يحذرون من أن وقف المساعدات عن الجانب الفلسطيني غير عادل، فضلا عن أنه سيقوض المصالح الأوروبية، كيف يبدو الجدل الأوروبي حول ذلك؟ لماذا تخبط الاتحاد الأوروبي في ملف المساعدات للفلسطينيين بعد هجوم حماس؟ على وقع صدمة الهجوم الإرهابي المباغت الذي شنته حماس على إسرائيل السبت (7 أكتوبر / تشرين الأول)، عانت سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن الملف الفلسطيني من تخبط في أعقاب التصريحات المفاجئة التي أدلى بها مفوض الجوار الأوروبي أوليفر فارهيلي عن تعليق المساعدات للفلسطينيين ردا على الهجوم. وكتب فارهيلي في تغريدة على موقع إكس، تويتر سابقا، "تقوم المفوضية الأوروبية باعتبارها أكبر طرف مانح للفلسطينيين بمراجعة مجموعة كاملة من مشاريع التنمية بقيمة تزيد عن 691 مليون يورو" مضيفا في هذا السياق بأن "نطاق الإرهاب والوحشية تجاه إسرائيل وشعبها وصل إلى نقطة تحول". وأثار تصريح المسؤول الأوروبي معارضة من أيرلندا وإسبانيا ولوكسمبورغ، فيما سارعت المفوضية الأوروبية إلى إصدار بيان أكدت فيه أنه "لن يكون هناك تعليق للمدفوعات في الوقت الحالي". وقالت المفوضية إنها ستُجرى مراجعة عاجلة لمساعدات التنمية لضمان "عدم وصول إلى تمويل من الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر أو غير مباشر لأي منظمة إرهابية ما يساعدها في تنفيذ هجمات ضد إسرائيل" في إشارة ضمنية إلى حماس. وقال الجيش الإسرائيلي الأربعاء (11 أكتوبر / تشرين الأول) إن 1200 إسرائيلي قتلوا وأن أكثر من 2700 شخصا أصيبوا في الهجوم مع ترجيحات بارتفاع الحصيلة بالتزامن مع إطلاق آلاف الصواريخ الأخرى من قطاع غزة فيما ترد إسرائيل منذ السبت بقصف عنيف ومكثف للقطاع. وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في قطاع غزة مقتل أكثر من 1350 شخصا فضلا عن إصابة الآلاف حتى الآن. إدانة حماس، لكن دون إنزال "عقاب جماعي" وعقب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية الثلاثاء (10 أكتوبر / تشرين الأول)، خرج مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ليؤكد على أن التكتل الأوروبي سيواصل العمل مع السلطة الفلسطينية في قرار حظى بموافقة غالبية الدول الأعضاء في التكتل. وكان الاتحاد الأوروبي قد أدان بأشد العبارات هجمات حماس حيث شدد على تضامنه مع إسرائيل فيما قال بوريل للصحافيين في سلطنة عمان: "ليس جميع أبناء الشعب الفلسطيني إرهابيين. لذا فإن العقاب الجماعي سيكون غير عادل وغير فعال، و سيكون ضد مصالحنا وضد مصلحة السلام". ما زالت إسرائيل في حالة صدمة على وقع هجوم حماس المباغت عليها، ما خلفية نجاح حماس المباغتة؟ وشدد المسؤول الأوروبي على أن المخصصات المالية للفلسطينيين لا تذهب إلى حماس، التي ادرجتها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على لائحة الإرهاب، مضيفا أنه سيكون هناك مراجعة لمساعدات التنمية من أجل ضمان التحقق من الأمر مجددا. الجدير بالذكر أن إسرائيل كانت قد اتهمت الاتحاد الأوروبي في السابق بتمويل حماس عن غير عمد رغم تأكيد التكتل على أن المساعدات المالية إلى الجانب الفلسطيني تخضع لرقابة مشددة للغاية. وإزاء ذلك، يطرح مراقبون تساؤلا حيال الأهداف التي تحققها المساعدات الأوروبية في الضفة الغربية وقطاع غزة. الجدير بالذكر أن حماس، وهي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية، قد سيطرت على قطاع غزة في يونيو / حزيران 2007 بعد طرد السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً. أين تذهب أموال الاتحاد الأوروبي؟ الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد الجهات المانحة الرئيسية للشعب الفلسطيني إذ خصص العام الماضي حوالي 300 مليون يورو في صورة مساعدات مالية، منها 200 مليون يورو لدعم نفقات السلطة الفلسطينية من رواتب ومعاشات وتكاليف اجتماعية وطبية فضلا عن تخصيص حوالي مئة مليون يورو لمساعدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". كذلك يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية إلى منظمات حقوقية فلسطينية رغم تعرض هذه المساعدات إلى انتقادات من بعض دول التكتل. ويٌضاف إلى ذلك ما تقدمه دول الاتحاد الأوروبي من تبرعات فردية للجانب الفلسطيني. وأشار مكتب تمثيل الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن الهدف الرئيسي من كافة المساعدات التنموية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي يتمثل في المساعدة على تحقيق حل الدولتين ودعم إنشاء "دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن". وفي مقابلة مع DW، قال هيو لوفات، محلل شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات المالية. وأضاف "تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة ويعصف بها عجز كبير فضلا عن أزمات أخرى لا تعد ولا تحصى وافتقارها إلى الشرعية...هذه السلطة تعد كيانا سلطويا إذ لا تحظى بتمثيل شعبي حيث لم تجر انتخابات في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2006." في المقابل، حذر مراقبون من أن وقف تمويل الاتحاد الأوروبي سيكون أمرا خطيرا. وفي ذلك، قال لوفات إن قرار وقف مساعدات التنمية التي تصب في صالح السلطة الفلسطينية سيكون بمثابة الخطأ الكبير حيث تساهم "المساعدات الاجتماعية والاقتصادية في تعزيز استقرار الضفة الغربية وتساهم في تجنب انفجار العنف الذي من شأنه أن يلحق الضرر بإسرائيل أيضا". وأضاف أن قرار قطع المساعدات الأوروبية سيدفع الفلسطينيين ربما صوب العنف، قائلا: "ستكون حماس سعيدة للغاية بهذا القرار في ضوء خصومتها مع السلطة". قال بوريل إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، "لكن يجب أن يتم ذلك وفقًا للقانون الدولي والقانون الإنساني." وكانت عدة دول في الاتحاد الأوروبي قد أعلنت إجراء مراجعات فردية للمخصصات المالية إلى الجانب الفلسطيني، لكن لوفات أشار إلى عدم وجود دليل دامغ يثبت أن أموال الاتحاد الأوروبي وصلت إلى أيدي حماس. بدوره، قال جوست هيلترمان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، إن قطع المساعدات من شأنه أن يبعث برسالة سلبية إلى الفلسطينيين، مضيفا "سيخلق حجب المساعدات تأثيرا كبيرا، بمعنى أن الفلسطينيين سيشعرون بأن الاتحاد الأوروبي قد تخلى عنهم، فضلا أنهم سيرون الاتحاد الأوروبي يقف وراء إسرائيل بشكل كامل ولم يعد بالطرف المحايد في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى الدعم السياسي". ورغم أن الاتحاد الأوروبي يتخذ قراراته بشكل جماعي، إلا أن بعض الدول الأعضاء - مثل أيرلندا وهولندا ولوكسمبروغ - تميل إلى التعاطف بشكل أكبر مع الفلسطينيين في حين تميل دول أخرى مثل المجر والنمسا إلى دعم إسرائيل. في هذا السياق، شدد هلترمان على أهمية المساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للجانب الفلسطيني، لكنه قال إن هذه الأموال لا تدعم تعزيز المجتمع الفلسطيني، مضيفا "لقد مكنت من استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو ما يصب في صالح إسرائيل مع تلاشي حل الدولتين وتوسيع بناء المستوطنات". ورغم ذلك، يعارض الباحث خفض المساعدات لأنها - على حد قوله - تُحدث فرقا كبيرا في حياة الفئات الأكثر ضعفا في الضفة وقطاع غزة. عقب هجوم حماس، بعث الاتحاد الأوروبي برسائل متضاربة بشأن مصير مساعداته إلى الفلسطينيين ماذا بعد؟ وفي السياق ذاته، قال هلترمان إنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون حريصا على إدانة أي جرائم حرب ترتكبها حماس أو إسرائيل على قدم المساواة حتى يتحلى بمصداقية بين الفلسطينيين، مضيفا "أعتقد أنه يجب تفادي أي غموض أخلاقي أو أي معايير مزدوجة." وكان بوريل قد أكد الثلاثاء (10 أكتوبر / تشرين الأول) على أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، "لكن يجب أن يتم ذلك وفقًا للقانون الدولي والقانون الإنساني،" في إشارة إلى الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل على إيصال الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء إلى قطاع غزة. وأفادت الأمم المتحدة، الخميس(12 اكتوبر تشرين أول)، بنزوح أكثر من 338 ألف شخص من سكان قطاع غزة بفعل هجمات إسرائيل المتواصلة لليوم الخامس على التوالي. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية "اوتشا"، في بيان، إن النزوح الجماعي يستمر في جميع أنحاء قطاع غزة، وارتفع بنسبة 30% خلال الـ 24 ساعة الماضية، ليصل الآن إلى 338 ألفا و934 شخصا. وذكر البيان أن أكثر من ثلثي النازحين يعيشون في 92 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيما لجأ 14 ألفا و837 نازحًا إلى 18 مدرسة حكومية. وفى ذلك، قال لوفات إن إحدى أولويات الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون ضمان إنشاء ممرات إنسانية إلى غزة عبر مصر فضلا عن ضرورة أن يفعل التكتل كل ما بوسعه للحيلولة دون انتشار الصراع إلى الضفة الغربية أو شمال لبنان. وأضاف أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينتقد إسرائيل مع تصاعد التوتر رغم التحالف الوثيق معها خلال السنوات الماضية، قائلا "أعتقد أنه عندما يرى المسؤولون الأوروبيون في مرحلة ما حجم المذبحة التي ترتكب في غزة كل مرة وربما تكون أسوأ هذه المرة، سيدركون أن الأمور في طريقها إلى الوراء". واتفق لوفات هلترمان في القول بأن "لا حل عسكري لهذا الصراع". إيلا جوينر - بروكسل / م. ع
مشاركة :