من الواضح أن كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي ألقاها خلال اليوم الختامي لمنتدى «فلداي» في نسخته العشرين بمدينة سوجي الروسية هذه المرة اتخذ طابعا هجوميا على الغرب عامة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة حيث شن هجوما غير مسبوق في حدته ووضوحه على مجموعة حلف الناتو خاصة وعلى الغرب عامة ويمكن أن نتوقف عند ثلاثة محاور مهمة لهذه الكلمة التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني ذات الطابع الاستراتيجي التي تنبأ بمسارات الحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة بين روسيا الاتحادية ودول الناتو وخلاصات توصل إليها الرئيس بوتين من خلال هذه المواجهة التي مضى عليها أكثر من سنة ونصف بشكل مباشر و 10 سنوات بشكل غير مباشر «2014»: أولا: التأكد بما لا يدع مجالا للشك أن روسيا لا يمكن أن تهزم هزيمة استراتيجية لأنها تمتلك القوة والإرادة والاجماع الوطني والقدرة على التخطيط وإدارة الحرب بأشكالها المختلفة وبالتالي فإن ما يقوم به الغرب الآن هو لمجرد الرغبة في إطالة أمد الحرب وإضعاف روسيا وفقا لنظرياته وتوقعاته الخائبة، وبيَّن بوتين في هذه الكلمة أن الواهمين فقط هم من يعتقدون أن بإمكانهم إلحاق الهزيمة بروسيا وجيشها الجبار والأخطر من ذلك أن بوتين في هذه النقطة تحديدا قد أوضح بما لا يدع مجالا للشك أن هزيمة أوكرانيا حتمية وأن ما يبقيها تحارب اليوم هي الضغوط الأمريكية بالدرجة الأولى والنظام الفاشي في كييف بالدرجة الثانية واللذين لا يهمهما أبدا مصير أوكرانيا ولا مصير شعب أوكرانيا الذي فقد حوالي نصف مليون مقاتل في هذه المعركة غير المتكافئة. ثانيا: مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الاستعلائية والعدوانية واعتبارها السبب الرئيسي في تفاقم الأوضاع ليس في أوكرانيا فحسب بل في عديد من مناطق العالم التي تشهد صراعات غالبا ما تغذيها الولايات المتحدة الأمريكية مشيرا إلى أمريكا بالسؤال من أنتم؟ وأي حق تمتلكون لتحذيرنا وتهديدنا مشيرا في ذات الوقت أنه قد آن الأوان لتتخلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عن نهج الغطرسة والاستغلال لدول العالم أو التهديد باستخدام القوة العسكرية في حل الخلافات والمنازعات الدولية وفي هذا السياق تحديدا أوضح بوتين أن روسيا تسعى مع مجموعة كبيرة من دول العالم إلى تغير صورة العالم الحالية المختلفة والقائمة على الأحادية القطبية فالعالم اليوم أصبح أكثر تعقيدا وقوة وتنوعا بحيث يستحيل أن تتغير وأن الأسلوب الحالي القائم على «الروسوفوبيا» وشيطنة الصين ومعاداة المسلمين واحتقارهم والاعتداء على مقدساتهم لا يمكن أن تجلب السلام والاستقرار والتنمية للعالم وإن محاولة خلق هذا العدو الوهمي قد انكشفت ولم يعد أحد يصدقها وإن روسيا الاتحادية تؤمن إيمانا قاطعا بضرورة وجود عالم متعدد الأقطاب ولذلك فإن روسيا تتبنى سياسة تقوم على إشراك أغلب دول العالم في منظومة تؤمن بالتعاون الدولي والسلام بحيث يكون الجميع شركاء بعكس ما قام به الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من تحول العالم إلى عبيد وها هو العالم اليوم يرد على تهديدات الغرب ويرفض هذه الهيمنة وإن روسيا بالرغم من قوتها وكونها دولة عظمى فإنها تتعامل مع الدول معاملة الشركاء. ثالثا: لعل أخطر ما في كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يتعلق باستعداد روسيا الاتحادية لاستخدام السلاح النووي عندما تشعر بأي تهديد حقيقي لأمنها ووحدة أراضيها وإنها تمتلك من الصواريخ النووية العابرة للدفاع عن نفسها وهذا تصريح واضح وخطير يعني به تحديدا الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بأن الإمعان في الاعتداء على روسيا ومحاولة إلحاق هزيمة استراتيجية بها سوف يؤدي بالضرورة إلى اضطرار روسيا لاستخدام السلاح النووي ضد المعتدين. لقد تضمنت هذه الكلمة العديد من القضايا الاقتصادية والنقدية ولكنها قضايا متكررة سبق للرئيس الروسي أن تحدث عنها في المنتديات الاقتصادية ولعل أهم نقطة في هذا الجانب تأكيد أن الغرب قد خسر المعركة الاقتصادية مع روسيا حيث ظن أنه سيدمر الاقتصاد من خلال آلاف العقوبات ولكن هذا الاقتصاد استطاع الصمود والنمو.
مشاركة :