يُسهم التعنتُ الإسرائيلي كلَّ يوم في انهيار جديد لما تبنيه، فما يحدث من عدوان على فلسطين ككل لا يمثِّل رداً على هجمات «طوفان الأقصى»، بل حسرة لحفظ ماء الوجه بينما يدعي نتنياهو «تطهير الأرض من العدو أولاً»، دون أن يعي أنه عدو نفسهُ هو، وإلا ما فصل القوانين التي أثارت الإسرائيليين ضده بالاحتجاجات حتى القضاء، أراد تفصيله لأهداف ماسونية، مُستمرة لا تجد مَن يردها في المحافل الدولية التي شُكلت بلا أخلاق ضد الشؤون العربية والفلسطينية، وإلا بالمقابل انظر كيف يتحدثون عن أوكرانيا ودعمها، والآن يصرخون مُلبين دعم إسرائيل وترك أوكرانيا التي ستؤكل بنيران الدب الروسي.. ولا يتأتى حربٍ إلا من الفراغ السياسي العدو الأول للاستقرار، كما في ليبيا واليمن ولبنان، وكذلك أفغانستان، ، وغزة مثلهم منذ عام 2007 إلا من تنظيم عسكري يتنافس مع «الجهاد» ولا يعترف به. ولذلك فممارسات بنيامين نتنياهو وحكومات إسرائيل المُتعاقبة، وتبجحهم أمام تلك المحافل الخاوية بخرائطهم من (النيل للفرات) ورسوماتهم المُتخيلة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستبشارهم بأنهم مفتاح السلام والاستقرار، وشماتتهم في النزاع بين «حماس» والسلطة الفلسطينية وقتال الإخوة ثلاثة أشهر حتى سيطرت حماس على القطاع وطردت منسوبي فتح إلى رام الله.. وخلق باب التوتر بالمنطقة لاتساع مساحة إسرائيل على حساب جيرانها، فإذا كان الإسرائيليون جادين في عملية السلام، لا بد أن يتركوا ما بدأوه من استيطان واحتلال غير قانوني بموجب القانون الدولي، فهذا الوضع يُربك الداخل الإسرائيلي أولاً، منذ عام 1967، وهو ما أدى إلى ما نراه اليوم. ورأيناه عند دخول الفلسطينيين إلى المستوطنات المحيطة بغزة، مدى حجم الغضب تجاه المستوطنين ومن يُدنسون الأقصى وهُم أول من اختبوا تاركين أبريائهم بوجه (طوفان الأقصى)، وهو ما ينم عن سوء السياسة الإسرائيلية وترك المستوطنين يفعلون جرائمهم في أبرياء فلسطين وحرائرهم. فالقوة التي دخلت من حماس سيطرت على كل الاتصالات بدون اتصال مع القوات الأرضية، وبدأوا بشن غاراتهم، والأعجب قدرات إسرائيل التكنولوجية وأقمارها الصناعية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وقدراتها التنصتية للاتصالات الداخلية العسكرية والأمنية لحماس، ليتضح أن ذلك (وهم)، هي بالفعل ترصد الاتصالات، ولكن ليست الحقيقية عبر شبكه اتصالات لم تخترقها.. ببساطة هذه العملية تمت بسرية كاملة، وإن كانت المفارقة أنه قبل الدخول عبر السياج الحدودي قامت حماس بمناورة تشبه تماماً ما فعلته صبيحة اليوم الثاني قرب الحدود، وراقب الإسرائيليون ذلك، معتقدين أنها مجرد مناورة. لقد خان الذكاء الاصطناعي إسرائيل، ليسير على جثته «طوفان الأقصى»، صارخة على «أميركا»، أغيثونا، تستنجد، ولكن ممن؟ من أفعالها التي بنتها وتهاوى كبرياؤها في ساعات، وكأن ذكرى أكتوبر 1973بأحداثها تتكرر، وبالتالي تواصلت إدارة أمريكا وأوروبا لدعم إسرائيل. إن الممارسات الإسرائيلية المُستمرة، هي ضرب من الفجور وغرور قوة واهنة، كانت نتاجها الفوضى الإقليمية المتوقعة. فإذا كان نتنياهو يريد سلاماً، فعليه أن يترك الثرثرة الإعلامية ورفع الغشاوة عن عينه بإبهار العالم من الشو الإعلامي الأميركي، ويدخل في حوار حل الدولتين بدلاً من محاولة الالتفاف على حقوق الفلسطينيين، التي أثبتوا أن نتنياهو وغيره من اليهود في العالم يراهنون على خرافاتهم بحدود دولتهم، فما يجري أكبر من إسرائيل فالمشاهد غير مسبوقة، وليس بسيطاً على الإطلاق أن يتم الإعداد الطويل لهذه العملية التي توازي حرباً من دون أن تتمكن المخابرات الإسرائيلية من قراءتها أو كشف اتصال واحد وقعوا في فخ الإيهام الفلسطيني لهم، فحسم النزاع بالحرب مستحيل. لقد أضاعت إسرائيل فرصة مصافحة ياسر عرفات مع إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض واتفاق أوسلو. وقد أساءت الدولة اليهودية تقدير أهمية شرعية عرفات الفلسطينية والعربية والإسلامية. وأهمية العيش في دولة على بعض أرضهم، وأضاعها أرئيل شارون بجدران «المقاطعة»، وكذلك فرصة مبادرة السلام العربية في بيروت في 2002.. والآن تضيع كل ما تبنيه بأفعالها «طوفان الأقصى».. التي رأت إسرائيل منه ما لم تتوقع رؤيته. وستبقى بلا اتعاظ أو عبرة، فأول مفاتيح الاستقرار في المنطقة (دولة فلسطينية حُرة) ومن دون قيامها سنشهد مزيداً من لهيب الغضب المدفون.
مشاركة :