رضا الباهي يصافح الجمهور التونسي بـ”جزيرة الغفران”

  • 10/13/2023
  • 14:41
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت - سلوى ياسين - متابعة بتجــرد: خرج الفيلم الروائي الطويل “جزيرة الغفران” للمخرج التونسي رضا الباهي أخيرا إلى قاعات العرض التونسية، وذلك بعد مرور ما يُقارب العام على عرضه العالمي الأول ومشاركته في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية. ويتناول العمل السينمائي وهو من إنتاج تونسي لبناني قصة كاتب تونسي – إيطالي يدعى “آندريا” يقرّر العودة إلى جزيرة جربة بعد غياب استمر حوالي 60 عاما لنثر رماد جثة والدته عملا بوصيتها. ويحاول”آندريا” في مسقط رأسه جزيرة الأحلام جربة إعادة تشكيل الصور والذكريات التي طبعت طفولته من خلال العلاقة مع سكان المدينة. ويستحضر الحادث الذي تعرض له والده “داريو” أثناء استخراج الإسفنج من البحر فيصبح عاجزا عن العمل، وكيف هبّ سكان الجزيرة على اختلاف معتقداتهم الدينية لمساعدته. ويفرض الواقع الجديد على العائلة الانتقال إلى منزل جديد بعيد عن البحر وسط أهالي جربة حيث يتعرف “آندريا” أكثر على العادات والأفكار المحلية وكذلك الدين، وبينما يحاول بعض المتشددين استقطاب والده إلى الإسلام يتدخل المعتدلون ليعيدوه إلى أسرته مؤكدين أن “لا إكراه في الدين”. ويشارك في بطولة الفيلم وهو من تأليف رضا الباهي وإخراجه كل من علي بنور، محمد السياري، باديس الباهي، محمد علي بن جمعة، كاتيا جريكو، باولا لافيتي، وبمشاركة خاصة من الممثلة كلاوديا كاردينالي. وكتب الباهي تدوينة على صفحته بفيسبوك قال فيها “أنا لست نبيا ولكن أثناء تصوير لفيلمي “جزيرة الغفران” في جربة، أدركت أن التسامح والعيش المشترك سؤالين ملتهبين سيظلان يطرحان علينا… لذا لا تسألني مرة أخرى: لماذا صنعت هذا الفيلم الآن؟”. ويبرز رضا الباهي في فيلمه الذي تم إنتاجه سنة 2022 التعايش والتسامح بين سكان الجزيرة رغم اختلاف جنسياتهم وأديانهم وثقافاتهم من خلال العودة إلى الماضي وتحديدا منتصف القرن العشرين، أي في بداية الخمسينات قُبيل استقلال تونس، ولذلك كان هذا الاستحضار للماضي منسجما مع التقنية السينمائية التي وظفها المخرج من حيث الصورة السينمائية وكذلك من حيث البنية الكلاسيكية للأحداث ولإيقاع الفيلم وصوت الراوي. وينطلق الفيلم من مشهد في الزورق حيث يُرافق الطفل “آندريا” والده “داريو” في رحلة بحرية لاستخراج الإسفنج، تبدو الحياة بسيطة جدا ولكنها سعيدة أيضا، وعلاقات من الودّ والاحترام المتبادل تجمع سكان الجزيرة على اختلاف أديانهم وجنسياتهم (تونسيون، مالطيون، إيطاليون، فرنسيون…)، ثمّ يفاجئ المخرج المتفرّج بالعودة إلى زمن الحاضر حيث أصبح الطفل “آندريا” اليوم كهلا وقد أخذه الحنين إلى الماضي لزيارة جربة واستعادة الماضي، وهذا الماضي سيستحضره صوتا وصورة عبر تقنية “الفلاش باك” ليشارك الجمهور جزءًا مما تحتفظ به ذاكرته. وبالغوص في سردية “جزيرة الغفران”، يلاحظ المشاهد العلاقات الاجتماعية والإنسانية السائدة على رقعة الجزيرة، فهي قائمة على الاحترام وعلى التعايش السلمي رغم الاختلاف، ولم تكن هناك ظروف تعكّرها. وهذا الهدوء أبرزه الباهي أيضا في بعض المشاهد الجانبية مثل هدوء البحر وسكينة الحيّ، غير أن الأحداث سرعان ما تأخذ منعطفا جديدا ويتغيّر نسق الأحداث من الخطّي إلى التصاعد والتوتر، بعد أن أدخل المخرج شخصية جديدة إلى الفيلم هي “جاتانو” وهو أحد أفراد هذه العائلة المسيحية، وعنصر من المافيا الإيطالية عاد من مدينة نابولي لبيع ممتلكات العائلة. وتنكشف في الفيلم أمور عديدة مع تقدّم الأحداث، منها العلاقة الغرامية لأم “آندريا” بعمه وسرّ العمّة “إلينا” التي أخفت الخطابات التي كانت تصل إليها عبر البريد إلى قراره بيع البيت والمساحة المحيطة به إلى رجل المافيا الإيطالي، ليحوّلها إلى مجمّع سياحي قبل أن يتبيّن لاحقا أن ملكية الأرض تعود إلى الفاتيكان. وأراد المخرج إظهار التنوّع المجتمعي في جزيرة جربة والتأكيد على أن الاختلاف ليس بالضرورة خلافا، فجزيرة جربة اختلفت فيها الديانات واللغات بين التونسية والإيطالية والفرنسية، وقد أوجد بينها الباهي حدا كبيرا من التفاهم والانسجام. ويبدو حنين رضا الباهي إلى الماضي وتحسره على تلك الفترة جليا في “جزيرة الغفران” التي مرر من خلالها مشاهد متنوعة من الحب والأمل والتمسّك بالأرض. وهذا الحنين أيضا دفعه ربما ليختار البناء الكلاسيكي لعناصر الفيلم وتوظيفها بإحكام في استحضار الماضي الجميل والهروب من الواقع. وقال الباهي في تصريحات سابقة على هامش عرض فيلمه في 2022 بدار الأوبرا ضمن المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إن الفكرة تراوده منذ حقبة التسعينيات لكنها أضحت أكثر إلحاحا في السنوات القليلة الماضية. وأضاف أنه أراد من خلال بدء الأحداث في الحاضر ثم الرجوع للماضي أن يصنع نقلة زمنية يبرز من خلالها “تونس السمحة” وما وصل إليه الحال في تونس وغيرها من الدول خلال سنوات ما بعد الربيع العربي. وعن مشاركة كلوديا كاردينالي بالفيلم قال المخرج إنها كانت في خياله منذ بدء الإعداد للعمل وعندما فاتحها في الأمر رحبت بدون تردد، مشيرا إلى أن دورها كان أكبر في الأحداث لولا كبر سنها وإرهاقها هما ما أجبراه على اختصاره. وكانت كلوديا كردينالي التي تلعب دور الجدة “غوستينا” قالت “أحببت كثيرا السيناريو، يذكرني بطفولتي حيث كانت كل الطوائف الدينية تتشارك الأعياد”. وأكدت على أنه من “مهم جدا طرح موضوع قبول الآخر سواء كان عربيا أو أوروبيا، مسيحيا أو يهوديا أو مسلما، فجميعنا واحد”، متابعة “التعددية الدينية عامل إثراء حضاري وليس مدعاة للصراع”. وتمّ تقديم عرض فيلم “جزيرة الغفران” العالمي الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ضمن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

مشاركة :