مع بدء العالم تدريجيا العودة إلى نشاطه الذي اعتاده قبل جائحة فيروس كورونا، يثبت عام 2023 أنه عام التغيرات المتسارعة في السياسات العالمية؛ حيث يستعيد القادة الزخم لعقد اجتماعات وجها لوجها، بما في ذلك الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون. فقد اجتمع القادة واصدروا بيانات مشتركة، تمثل بداية تحول تاريخي محتمل في نظام الأمن الإقليمي، يمكن أن يقيد التوقعات الأمنية الحالية لكوريا الشمالية. وتقول المحللة السياسية مينسيون كو، الباحثة بمركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي بكلية دارتموث الأميركية: إن كوريا الجنوبية واليابان اتفقتا على تجاوز القضايا التاريخية في مارس الماضي. وبالتالي، أعلنت اليابان، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة بداية صفحة جديدة في العلاقات الثلاثية أثناء استعراض صداقتهم في قمة كامب ديفيد في أغسطس الماضي، مما يمثل بداية توترات جديدة (أو متجددة) حيث اتهمت الصين الدول الثلاث ببدء حرب باردة" جديدة". اختبارات صواريخ وأضافت كو في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية: أن " المعسكر" الآخر في الحرب الباردة الجديدة -الصين وروسيا وكوريا الشمالية- استعرض أيضا صداقته، بدءًا من استضافة كوريا الشمالية لوفد صيني في ذكرى انتهاء الحرب الكورية في يوليو الماضي حتى القمة الأخيرة بين كيم جونج أون وفلاديمير بوتين. كما أن كوريا الشمالية "جعلت" إطلاقات صواريخها واختباراتها أمرا طبيعيا، لكن بمعدل أسرع - حيث بلغ عدد مرات اختباراتها للصواريخ عام 2022 أكثر من 70 اختبارا، وبذلك يكون عام 2022، قد شهد أكبر معدل لاختبارات الصواريخ. وتسعى جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لإتقان امكانياتها في إيصال الصواريخ في عام 2023، من خلال إجراء اختبارات لصواريخ كروز الاستراتيجية، وإطلاق صاروخ عابر للقارات يعمل بالوقود، وبعض هذه الاختبارات والاطلاقات تعتبر ردا على التدريبات العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية، التي أجريت ردا على اختبارات كوريا الشمالية وإطلاقها للصواريخ، مما أسفر عن رد فعل متبادل. ومع ذلك، فإن هذا النمط المتبادل وحده لا يوضح أن كوريا الشمالية لن تتخلى عن أسلحتها النووية. فهناك مؤشر أكثر دلالة على عدم استعداد كوريا الشمالية التخلي عن أسلحتها النووية، وهو إضفاء الطابع المؤسسي المحلي على وضع قوتها النووية، كما اتضح في خطوتين أخيرتين. أولهما أن كيم جونج أون قدم ابنته، كيم جو أي، للعالم في نوفمبر 2022 أثناء زيارتهما لموقع لاختبار إطلاق الصواريخ، وليس من المؤكد احتمال أن تكون هي خليفته، على أساس أنه يقال أن له ابن أكبر منها. والمهم في ذلك هو أن ظهورها العلني ليس فقط مجرد دعاية، ولكنه جزء من سعي كيم لترسيخ الذكرى " المؤسساتية" لنظام كيم ومركزية الأسلحة النووية والصواريخ لاستمرارها. وبتوعيته لابنته بانجازات كوريا الشمالية ، ربما يأمل كيم أن تستمر جهوده وجهود أسلافه لتحقيق وضع القوة النووية مع أبنائه. لا حوار بشأن النووي والخطوة الثانية هي قيام المجلس التشريعي في كوريا الشمالية في سبتمبر الماضي، بإقرار قانون يكرس في الدستور وضع البلاد كقوة تمتلك السلاح النووي، مما يزيد من إضفاء الطابع المؤسساتي على وضع حالتها النووية الذي تم إعلانه عام 2013. وبرر كيم ذلك بما يتم من تأمين التعاون العسكري بين اليابان، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، واصفا إياه بأنه "أسوأ تهديد فعلي". ويأتي هذا بعد إضفاء الطابع المؤسساتي على استخدام الأسلحة النووية لأغراض وقائية العام الماضي. ومع التكريس والارتقاء التدريجي باعترافها بذاتها تتأتي مطالب كوريا الشمالية بالاعتراف الدولي بقوتها النووية، وليس أسلحتها النووية. وتختتم كو تقريرها بأن كل هذه التحركات الأخيرة لا تلغي الجهود الرامية لإعادة دمج كوريا الشمالية. وقد تبدد القلق النووي الذي شهده عام 2017 مع الجهود المبذولة لذوبان الجليد في 2018- 2019. وخلال هذه الفترة من الانتقالية، راودت كوريا الشمالية فكرة نزع السلاح النووي وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، تاركة العالم يحبس أنفاسه في مفترق الطرق ما بين السلام وحرب نووية. وكان العالم قريبا من فترة أكثر سلمية نسبيا. والعودة لهذه الفترة المحدودة ما زالت ممكنة ، كما أثبت عام 2017. ولكن مع مرور الوقت، يزداد ارتفاع الحاجز الذي يحول دون أن تبدأ كوريا الشمالية أي حوار.
مشاركة :