أدهشني العرض المسرحي لمسرحية «حكاية شاعر» للمؤلف سامي الجمعان، ومن إخراج فهد الدوسري، والمراجعة التاريخية للأستاذ رماح جوبان، والإشراف الفني والإنتاج للأستاذ فهد الحوشاني، ومن تمثيل الممثل المحترف تركي اليوسف، ونرمين محسن، وعبد العزيز المبدل، وآخرين، حيث إن العرض لم يتجاوز الساعة فقط، ومع ذلك أعطى العرض نبذة مكثفة عن أهم المحطات في سيرة الشاعر السعودي حمد الحجي -غفر الله له-، وما أقف له إعجاباً هو المؤثرات الصوتية والبصرية التي أدرك الكاتب والمخرج أهميتها في تقديم سيرة حياتية بشكل مؤثر وعاطفي تجاه شخصية أحبت وطنها وأصيبت بفقد الأم في سن مبكرة، فلم يستطع الفكاك من حزنه الشديد عليها. اعتمد المؤلف سامي الجمعان في النص المسرحي على «فن الميلودراما» بإتقان، فقد كان حواره عاطفياً مؤثراً، يسلب القلوب إلى المواقف الأسرية التي مرّ بها البطل، مثل: فقده لوالدته وحنينه إليها، وفقره. وقد استثمر الجمعان السيرة الذاتية لحمد الحجي في خلق الحس الوطني العالي في النص والعرض المسرحي معاً، فقد بيّن كل منهما العلاقة الوطيدة بين الحاكم والمواطن الموهوب بصورة خاصة؛ إذ إن الملك سلمان تكفل بعلاج الحجي عندما كان أميراً للرياض، وهنا توهج شعور الولاء للمكان في مكامن كل مشاهد. والحقيقة إن الجمهور كان واعياً للمَشاهد، فقد حضرتُ المسرحية في معرض الكتاب يوم الجمعة الموافقة للسادس من شهر أكتوبر، ورأيت بأم عيني تفاعل الجمهور مع مواقف البطل، فقد كان باكياً في مواقف الفقد، مشفقاً في مواقف مرض البطل، مصفقاً بحب وإجلال وإعجاب أمام حوارية البطل الشعرية مع ذاته، وهو يأخذه الحنين لنجد، فينظم فيها الأبيات الجميلة عندما كان في بيروت للعلاج، وهو يقول: وطني فديتك أي مغنى فتنة تزداد جدتها مع الأيام أي المرابع فيك لم تهتف به ورقاء ذات تفجع وهيام غنت على الفنن الوريف ظلاله فروت مفاخر شادها أقوامي السحر فيك أراه يا وطن الهوى والمجد والتاريخ والإلهام وما يثلج الصدر أن البطل الذي أدى دور الحجي الممثل تركي اليوسف كان محترفاً في الأداء، فلم يشعر المتلقي أنه أمام شخصية يؤديها الممثل وكفى، بل إنه أمام تجسيد حقيقي لهوية الحجي، في ملامحه، وفي بنيته الجسدية، وفي صوته الجهوري، وفي شعره الفصيح المتدفق والذي كان اليوسف يحفظه عن ظهر قلب. إن المتلقي أمام مواهب جبارة تساندت في تشكيل عرض مسرحي بعيد عن الملل والإطالة والمشاهد المتكررة والتقليد في الطرح، مراعياً هذا العرض زمكانية معرض الكتاب والحالة السريعة للمرتادين وتنوع مشاربهم وأعمارهم وثقافاتهم. إن تشكيل عرض بصري مؤثر يحاكي سيرة واقعية وطنية لشاعر جميل وصادق ومكافح رغم كل الآلام، يجعل الناقد المسرحي يُجل الفريق المتكامل الذي يقف خلفه بصمت وجمال وتعاون. وقد نبهت المسرحية إلى أهمية التماسك الأسري للنهوض والنجاح والاستمرارية في الحياة في أفضل صورة عبر شخصية الأخت التي تساند أخاها دائماً والتي جسدت دورها الممثلة نرمين. وقد وظف الجمعان شخصية الشاعر الجاهلي أبو ذؤيب الهذلي من قبيلة هذيل التي ينتمي إليها الشاعر الحجي، مؤكدًا على أن الماضي يصنع الحاضر والمستقبل، فالموهبة الفياضة تستمر بين الأجيال، ولعل هذه الشخصية أتت لتعريف أن موهبة الشعر في الجزيرة العربية قديمة، ووجود هذه الشخصية تؤكد أن كلا الشاعرين رثى نفسه قبيل وفاته أيضاً، يقول الحجي: كفني يا شمس مني هيكلا كفنيه هيكلا محترقا وادفنيه جانب النهر فقد يلتقي الصبح غصنا مورقا لا يريد العيش قلبي وهو في قيده نحو الضيا ما انطلقا سوف اطوي صفحة العمر فما أستطيع العيش عبدا موثقا ومن جماليات العرض أنه لم يصرح بشخصية البطل الحقيقية «الشاعر حمد الحجي» إلا في نهاية المسرحية، وذلك لخلق التشويق. أتمنى أن تستمر العروض المسرحية عن أبطال الوطن بطريقة اللوحات السريعة المدهشة والمكثفة في حوارها المتقن لخلق بيئة مشاهدة كثيرة العدد من غير ملل أو فتور في ظل البيئة الفنية الجديدة التي يشهدها الوطن مع انبلاج رؤية 2030 التي تدعو إلى خلق تواصل مع الفن واستثماره في السياحة ونشر الثقافة والوعي عند كل الناس.
مشاركة :