يضع الكاتب والروائي هيثم حسين كتاباً مهمّاً في طرحه ومضمونه؛ وهو مسبار كاشف للانطلاق الحقيقي للعمل الروائي؛ وتأتي أهمية مثل هذا الكتاب في كونه يتشتبك مع قضايا سردية مهمة لأي سارد سواء روائي أو قاص؛ سيما مع التمدد الروائي الذي يعيشه المشهد العربي وانتشار الكثير من غُشماء السرد- بحسب د. عبدالله ابراهيم- فيقول الكاتب هيثم حسين عن الشخصية الروائية وسلطتها النافذة بأنها من أهم أسس البنيان الروائي، إذ يختلف تعاطي الروائيين مع شخصياتهم تبعاً لكثير من الأمور، في بعض الأحيان تفرض الشخصية نفسها على الروائي، وفي أحيان أخرى تفترض محاور العمل الروائي شخصيّاتٍ بعينها، فيخلقها الروائي ليسد بها الفراغ الذي قد ينشأ يحتاج إليها العمل، يرسمها بطريقة آلية، ويتخلى عنها بعد أن تؤدّي دورها المحدد، وفي هذه الحالة، يختلف الشعور حيالها، فقد يتركها بعد توظيفها في المحور المختار دون أي رأفة أو اهتمام، فلا يعود إلى ذكرها لاحقاً، وينهي استمراريتها بإنهائها، وقد يفسح لها المجال لتستكمل دوراً ما حتى في غيابها. وعن إشكالية الشخصية الرواية يرى هيثم حسين بأنها لا تضبط بتعريف ولا تحدد بمقياس ثابت، الأنماط المتعدّدة الموجودة للشخصية تجعل الشخصية الروائية، كتقنية خارج أي تنميط، لأنها من أكثر عناصر الرواية مرونة، تبدو بسيطة بقدر تعقيدها، لذلك فإنّها تظلّ عصيّة على التقييد بعيداً عن التعريفات المدرسية التبسيطية، وبعيدا عن الافتراضات التسطيحية التي ترهن الشخصية لرغبات مفروضة ونزعات ملبسة. وحول كيفية ابداع يبدع الروائي لشخصياته؟ وهل هي محض خيالية أم فيها عالمه؟ وما هي مشاعرهتجاهها؟ هل يحبها أم يكرهها أم يخفي مشاعره؟ وما هي مشاعره تجاه قسوة مصائرها؟ يرى هيثم حسين بأن شيء من هناك شخصيات تكون حاضرة في ذهن الروائي قبل المباشرة بعمله أي تكون الشخصيات الشرارات، ولا يقتضي ذلك أن تظل رئيسة، بل يمكن أن تتحول مع تصاعد المحاور الدرامية وتداخل الخطوط والخيوط إلى شخصيات ثانوية، كما أنّ كلّ شخصية تفترض نداً أو مكافئاً لها في العمل، وهكذا يجد الروائي نفسه أمام شخصيات ينطلقبها ومنها، ثم يخلق أخرى يحتاج إليها العمل، وتقتضيها الأحداث والمجريات والتوازنات والتجاذبات يمكن أن تكون الشخصية الروائية تصويراً لشخصية واقعية بعينها، كما يمكن أن تكون جمعاً ومزجاً لعدة شخصیات واقعية وأخرى متخيلة ترتبط بالواقع لكنها لا تتطابق معه تماماً تلتقي في نقاط وصفات وتفترق في أُخرى. ويضيف حسين قائلاً: يستحيل أن تكون الشخصية الروائية محض خيالية، لأن الروائي يعيش في عالم مصطخب، ولا يمكن التغافل عن أي مكوّن من مكونات علله النفسي والمادي بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن ممارسة القطيعة مع عالمه، لأنفك الارتباط مكلف ومعقد وخطير، ومن هنا، فإن الشخصية الروائية تشتمل على الكثير مما يحيط بالروائي، حتى أكثر الشخصيات غرابة، وأبعدها عن واقعه، تنوجد بطريقة أو أخرى، تجتاح عالمه، أو تكون قد اتخذت لها مستقراً في قرارته، أو قد خمدت فيذاكرته، وجاءت الرواية وتشعلها في بحر أحداثها كل شخصية هي جمرة فيقلب الروائي، يغلفها بالذاكرة ويحرص ألا يطالها رماد الإهمال والنسيان، لأنه في حاجة دائمة إلى كل من وما مر معه. ويؤكد هيثم حسين بأن المشاعر إزاء الشخصية الروائية محط اهتمام وموضع تجاذب، ذلك أن الرواية باعتبارهاتقليداً للواقع في بعض جوانبه، وتصويراً لبعض معتركاته، فإنّها تتمتع بمقدرة استيعابية هائلة، تحتضن مختلف النماذج، وليس بالضرورة أن تكون الشخصيات كلها مقربة من قلب الروائي، لكن لا مناص من التحكم بالمشاعر لتظهر على طبيعتها دون أنتتحمل تلبيسات معينة قد لا تنسجم مع بنيتها وتكوينها. ويعتقد هيثم حسين أنّ في القول بأنّ الشخصيات الروائية. فيها الخير والشرير، بعضاً من الانسياق وراء تعميمات بعينها، لأن الرواية كحرفة، تُبتنى عوالمها ببراعة وتدقيق من قبل الروائي، ويظل كالأبناء هي دور المصادقة محدوداً، لكن هذا لا يعني أن مشاعر الروائي معدومة أو محدودة إزاء شخصياته، قد يقع في أسر بعضها، حبا أو كرها، قد تشغفه بأفكارها وجنونها، لكن لابدأن يتحرر من تلك السطوة كي يتمكن من بناء عالمه من مختلف الزوايا ولو أنه ظل سجين شعور بعينه لن يتمكن من تصوير الأبعاد المختلفة. كما أنه يستخرج شخصياتهكلها من داخله، لتستكمل الشخصية الدورة الواجبة يستعيرها دون استئذان يعرضهاعلى مصفاته الفكرية والنفسية يمررها إلى الرواية بعد فلترتها الروائي يخلق عمله، يتحلى ببعض صفات المحرر، منحيث إفساح المجال للمصير المرتقب أن يقوم بدوره، وترك الخطوط تسير إلى منتهاها المرسوم وقسوة المصائر المنتقاة ليست بعيدة عن قسوة الوقائع المعيشة، أصداءلها، لكنها قسوة تحفر في قلب الروائي، وليس من السهولة التحرر من ذاك الألم الذي تخلقه النهاية البائسة، كما ليس من اليسر الفكاك من سحر الشخصية، ولا من الأسىالذي ينتج جراء موتها الحتمي، وذلك مع انعدام أي مجال لتغيير ذاك المصير القاسي.
مشاركة :