أطلقت بنوك العالم المركزية العنان لسلسلة من زيادات أسعار الفائدة هي الأعلى منذ عقود، في إطار سعيها لكبح التضخم خلال العامين الماضيين ـ وربما لم تنته مهمتها بعد. فقد رفع صناع السياسات أسعار الفائدة بنحو 400 نقطة أساس في المتوسط في الاقتصادات المتقدمة منذ أواخر 2021، ونحو 650 نقطة أساس في اقتصادات الأسواق الصاعدة. تستوعب معظم الاقتصادات هذا التشديد النقدي العنيف، حيث أثبتت صلابتها على مدار العام الماضي، لكن معدلات التضخم الأساس لا تزال مرتفعة في عدد منها، ولا سيما الولايات المتحدة وبعض أنحاء أوروبا. بالتالي فقد يتعين على البنوك المركزية الرئيسة الاستمرار في تطبيق أسعار فائدة أعلى لفترة أطول. فارتفاع التضخم قد يضطر البنوك المركزية، إلى الاستمرار في تطبيق أسعار فائدة أساسية مرتفعة، ما يفرض ضغوطا على قدرة المقترضين على سداد ديونهم. في هذه البيئة، لا يزال ميزان المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي يميل إلى جانب التطورات السلبية، وفقا لما نعرضه بالتفصيل في تقرير الاستقرار المالي العالمي. على الرغم من أن تقييمنا لمكامن الخطر في أحدث عدد من التقرير مشابه لما أعلناه في أبريل، فإن ما شهدناه من ضغوط حادة في بعض النظم المصرفية قد انحسر منذ ذلك الحين. مع ذلك، نلحظ حاليا مؤشرات على وجود اضطرابات في مجالات أخرى. إحدى هذه الإشارات التحذيرية هي اضمحلال قدرة المقترضين من الأفراد والشركات على خدمة ديونهم، وهو ما يعرف كذلك بمخاطر الائتمان. وزيادة تكلفة الدين هي إحدى التبعات المقصودة لتشديد السياسة النقدية في سبيل احتواء التضخم. غير أن الخطر يتمثل في أن المراكز المالية للمقترضين ربما تكون هشة بالفعل، بحيث يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم مواطن الهشاشة وتصاعد حالات العجز عن السداد. وبشأن تآكل هوامش الأمان فقد شهد عالم الأعمال نهاية شركات عديدة أثناء الجائحة، بينما نجت غيرها بفضل هوامش الأمان النقدية القوية التي تعزى جزئيا إلى الدعم الذي أتاحته المالية العامة في كثير من الدول. واستطاعت الشركات كذلك الحفاظ على هوامش أرباحها على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم. غير أنه في عالم اليوم الذي يشهد ارتفاعا لفترة أطول في أسعار الفائدة، أوشكت شركات كثيرة على استنفاد هوامش الأمان النقدية في ظل تراجع الأرباح وارتفاع تكاليف خدمة الدين. يشير "تقرير الاستقرار المالي العالمي" بالفعل إلى تزايد نسبة الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة على السواء، التي لا يكاد يتوافر لديها النقد الكافي لسداد مصروفات الفائدة. وتتزايد حالات العجز عن السداد في أسواق القروض التمويلية التي تقترض منها الشركات ذات المراكز المالية الضعيفة. ومن المرجح أن تتفاقم هذه المشكلات على مدار العام المقبل، حيث يحل أجل استحقاق أكثر من 5.5 تريليون دولار من ديون الشركات. كذلك أوشكت الاحتياطيات الوقائية للأسر على النفاد. فقد سجل فائض المدخرات في الاقتصادات المتقدمة تراجعا مطردا من مستويات الذروة المسجلة في أوائل العام الماضي التي تراوحت بين 4 و8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وهناك بوادر أيضا على تزايد حالات التعثر في سداد مدفوعات بطاقات الائتمان وقروض السيارات. يتعرض القطاع العقاري بدوره لعوامل معاكسة. فقروض العقارات السكنية، التي عادة ما تمثل الشريحة الأكبر من قروض الأسر، محملة في الوقت الراهن بأسعار فائدة أعلى بكثير مما كانت منذ عام واحد فقط، ما يؤدي إلى تآكل المدخرات، كما تنشأ عنه آثار سلبية في أسواق الإسكان... يتبع.
مشاركة :