الأزمة الكورية.. تصعيد «حافة الهاوية»

  • 3/17/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد شبه الجزيرة الكورية حالياً تصاعداً كبيراً في التوتر بين شطريها. فلأول مرة يعلن زعيم كوريا الشمالية كیم جونغ أون بوضوح، في 9 مارس آذار الماضي، نجاح بلاده في تصغیر رؤوس نوویة حراریة يمكن تركیبها على صواریخ بالیستیة، وتستطيع الوصول إلى أي مكان في العالم. وهو الأمر الذي من شأنه، بحسب عدد من الخبراء، تغییر المعطیات على الأرض، وتشكیل تهدید نووي جدي بالنسبة إلى الولایات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا، وفي مقدمتهم كوريا الجنوبية واليابان. هددت بيونغ يانغ بشن هجوم نووي عشوائي رداً على المناورات العسكرية المشتركة التي تجريها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، حالياً وحتى نهاية شهر إبريل نيسان المقبل، والتي تعد أكبر مناورات مشتركة تنظم في شبه الجزیرة الكوریة عبر تاريخها الطويل. وقد جاءت هذه التطورات المثيرة بعد مرور شهرین فقط على رابع تجربة نوویة لبيونج يانج (في 6 يناير الماضي)، وبعد شهر من إطلاقها صاروخاً بعید المدى (في 7 فبراير الفائت)، ما دفع مجلس الأمن الدولي، بعد مفاوضات ماراثونية شاقة استمرت سبعة أسابيع بين واشنطن وبكين، إلى إدانة هاتين التجربتین بشدة، ثم موافقة المجلس بالإجماع، في 2 مارس الماضي، على سلسلة عقوبات جدیدة ضد كوريا الشمالية، وصفها المراقبون بأنها الأشد والأكثر فعالية في تاريخ الأمم المتحدة الممتد عبر سبعة عقود. ورداً على هذه العقوبات غير المسبوقة، اتخذت بيونغ يانغ سلسلة من القرارات التصعيدية، في المجالين العسكري والاقتصادي، ما ينذر ببدء حلقة جديدة من مسلسل الرعب النووي وعدم الاستقرار في منطقة شرق آسيا. فمن جهة، أطلقت كوريا الشمالية صاروخين بالستيين قصيري المدى قبالة ساحلها الشرقي إلى البحر في 10 مارس الماضي. وقد اجتاز هذان الصاروخان مسافة 500 كم قبل أن يسقطا في بحر اليابان قبالة ميناء وونسان الكوري الشمالي. كما أطلقت بيونغ يانغ أيضاً ستة صواریخ قصیرة المدى قبالة سواحلها الشرقیة. وبالتزامن مع ذلك، أكدت لجنة الدفاع الوطني في كوريا الشمالية أن خططاً لهجوم نووي وقائي باسم العدالة قد وضعت من قبل القیادة العلیا للجیش الشعبي الكوري، وصادق علیها رئیس البلاد، وباتت جاهزة للتنفیذ حتى في حالة تسجیل أبسط عمل عسكري من طرف أعداء كوریا الشمالیة. وفي هذا السياق، كتبت صحیفة رودونغ سنمون، (الصحیفة الرسمیة لحزب العمال الكوري الحاكم)، أهدافنا هي القواعد الأمريكية في كوریا الجنوبیة وبقیة منطقة آسیا، والمحیط الهادئ، بالإضافة إلى أراضي الولايات المتحدة نفسها، فقد أصبح لدینا أحدث أسلحة لم تمتلكها دولة من قبل. واقتصادياً، أعلنت بيونغ يانغ تصفیة أصول لكوریا الجنوبیة في مشروعین مشتركین هما منتجع كومجانغ السیاحي ومجمع كایسونغ الصناعي المشترك، مشيرة في بیان نشرته وكالة الأنباء الشمالیة الرسمیة، إلى أنه نظراً إلى أن القوات الكوریة الجنوبیة المعادیة أغلقت بشكل أحادي الجانب أنشطتها في جبل كومجانغ وفي مجمع كایسونغ الصناعي، فإننا سوف نصفي بالكامل كل الأصول المملوكة للشركات الكوریة الجنوبیة والمؤسسات التابعة لها التي تركتها لدینا. وأضاف البيان اعتباراً من الآن نعلن أن كل الاتفاقیات المبرمة بین كوریا الشمالیة وكوریا الجنوبیة فيما خص التعاون الاقتصادي وبرامج التبادل هي اتفاقیات لاغیة. وتجدر الإشارة إلى أن مجمع كایسونج الصناعي، الذي يبعد نحو عشرة كیلومترات عن الحدود الكوریة الجنوبیة، تعمل فيه 124 شركة كوریة جنوبیة توظف 53 ألف كوري شمالي. وقد أنشئ هذا المجمع في إطار دبلوماسیة انتهجتها سیول بین 1998 و2008 لتشجیع الاتصالات بین الكوریتین. وبقي المجمع بعیداً عن التقلبات في العلاقات بین الكوریتین حتى تم إغلاقه بشكل رسمي مؤخراً. الخطوات التصعيدية السابقة تعد من ثوابت نظام كوریا الشمالیة عندما یزداد التوتر في شبه الجزيرة الكورية. فقادة بيونغ يانغ يشعرون بفزع شديد من إجراء المناورات الأمريكية - الكورية الجنوبية، حيث يعتبرونها بروفة لشن حرب نووية وهجوم كاسح لإطاحتهم من السلطة واحتلال بلادهم. ومما يزيد من هذه المشاعر السلبية لديهم، أن مناورات العام الجاري، والتي أطلق عليها اسم كي ریسولف أو العزم الأساسي، هي الأوسع والأكبر في تاریخ شبه الجزيرة الكورية. حیث تشارك الولايات المتحدة في مناورات هذا العام ب 17 ألف جندي، أي أكثر من ضعف عدد جنودها في السنوات السابقة، مع نشر أصول استراتيجية متنوعة مثل حاملة الطائرات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية (يو أس أس جون سي ستينيس) وأسطولها الملازم لها، فضلاً عن مشاركة غواصة نووية وناقلات جوية لإعادة تموين المقاتلات (كما توجد إمكانية لمشاركة القاذفة الشبح بي-2). أما الجانب الكوري الجنوبي، فسيشارك في هذه المناورات ب 300 ألف جندي بما يزيد بمقدار مرة ونصف المرة على متوسط عدد جنوده الذين شاركوا في التدريبات السنوية. وإلى جانب ذلك، تشمل المناورات المذكورة أيضا تطبيق خطة العمليات الجديدة (5015) لأول مرة. وتتضمن هذه الخطة، التي اعتمدتها سيول وواشنطن رسميا في يونيو العام الماضي، سيناريوهات لتوجيه ضربات وقائية دقيقة ضد المنشآت النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. كما ستجرى أيضا مناورات إبرار برمائية مشتركة تحت مسمى تدريب اس سانجيونغ، يشارك فيها نحو 3000 من قوات المارينز ونحو 2000 من قوات البحرية لكوريا الجنوبية. ومن جهة ثانية، أكدت وزارتا الخارجیة والدفاع الأمريكيتان أن واشنطن وسیول بدأتا التباحث الجدي لنشر درع أمريكية مضادة للصواریخ Terminal High Altitude Area Defense ((THAAD في كوریا الجنوبیة للتصدي لأي تهدید من جانب كوريا الشمالية. وهو إجراء تعارضه بشدة كل من كوريا الشمالية وروسيا والصين، باعتباره مهددا لأمن هذه الدول ومقوضا لأنظمة الردع النووي لديهم. وإلى جانب الفزع الشديد من إمكانية أن يقود تعزيز التعاون العسكري بين واشنطن وسيول إلى الإطاحة بهم من السلطة، يمكن تفسير التصعيد المتتالي من جانب قادة كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة أيضاً بالحصار الشديد الذي أصبح المجتمع الدولي يفرضه عليهم، خاصة بعد العقوبات الأخيرة التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2270 في 2 مارس الجاري، من أجل الحد من برامجهم النووية والصاروخية. حيث تشمل هذه العقوبات، من بين أشياء أخرى، منع إمداد بيونغ يانغ بجميع أنواع الوقود المستخدم في الطائرات، بما في ذلك وقود الصواريخ، وحظر جميع صادراتها من الفحم والحديد والذهب والتيتانيوم الخام والفانديوم الخام والمعادن النادرة، وفرض تفتيش على الشحنات المعنية بالتجارة الدولية المتجهة منها أو إليها براً أو بحراً أو جواً. وبذلك تعد هذه السلسلة الجديدة من العقوبات الأشد من نوعها في التاريخ، حسبما يرى كثير من المراقبين. وربما تكون هذه الشدة هي ما دفعت عدداً من المراقبين إلى التحذير من مخاطر أن تؤدي هذه العقوبات القاسية إلى إلحاق الضرر البالغ بالأحوال المعيشية لشعب كوريا الشمالية، خاصة أن التاريخ يثبت أن سياسة العصا وفرض العقوبات لم تفلح من قبل في إقناع قادة كوريا الشمالية بوقف برامجها النووية والصاروخية. فعدد سكان كوريا الشمالية يتجاوز 25 مليون نسمة، وبالتالي يمكن أن تثير هذه العقوبات حالة من الفوضى في شبه الجزيرة الكورية، نتيجة موجات من الهجرة واللجوء، وبالتالي التأثير السلبي على السلام والاستقرار في منطقة شمال شرق آسيا. وفي ضوء ذلك، علينا أن ندرك أن مسألة فرض العقوبات ليست هي الهدف النهائي من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. فجوهر الأمر هو حل الخلافات القائمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. فهذه الخلافات هي مصدر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، حيث يصر قادة بيونج يانج على تطوير برامجهم النووية والصاروخية، باعتبارها الملاذ الأخير ضد التهديدات الأمريكية. لذا فإن عودة المفاوضات المباشرة بين الجانبين الأمريكي والكوري الشمالي هو السبيل الأمثل لاستعادة الهدوء والأمن والاستقرار في شرق آسيا. وهنا، ينبغي المضي قدماً في مسارين متوازيين ألا وهما التخلص من البرامج النووية والصاروخية لدى بيونج يانج من ناحية واستبدال الهدنة بينها وبين الولايات المتحدة باتفاق سلام دائم وشامل. فدروس التاريخ تكشف عن أن حل أي مشكلة صعبة في العالم بحاج ة إلى تسوية سياسية مقبولة من جميع الأطراف ذات الصلة. ٭ خبير الشؤون الدولية والآسيوية فيمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية abahy@ahram.org.eg

مشاركة :