يصيب سرطان الثدي ملايين النساء حول العالم، ولا تقتصر مشاكله على المستوى البدني فحسب، إذ يلقي بظلاله على حياة النساء بشكل ظاهر وخفي في آن واحد، ويدفع لتدهور حياة المصابة بشكل كبير. وحول ذلك، قدم الدكتور رافي جورونيان رئيس القسم، ورئيس الجراحة التجميلية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، معلومات مهمة تناول فيها أحدث التقنيات الطبية الراهنة والأساليب الجراحية التي تحيي آمال مريضات سرطان الثدي وتمنحهن حلولاً فعّالة لما يلقي به هذا المرض من تحديات، لا سيما على مستوى التعامل مع اثنتين من أبرز مضاعفات سرطان الثدي المتمثلة في الوذمة اللمفية وإعادة بناء وترميم الثدي بعد الاستئصال. المعركة الخفية... سرطان الثدي والوذمة اللمفية! تشهد معدلات الإصابة بسرطان الثدي ارتفاعاً ملحوظاً في شتى أنحاء العالم. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تم تشخيص 2.3 مليون إصابة بسرطان الثدي في عام 2020، بما يجعل هذا المرض الأكثر انتشاراً من بين أنواع السرطانات الأخرى حول العالم. وفي دولة الإمارات، كان سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعاً في عام 2020، مع تسجيل 1030 إصابة جديدة في ذاك العام، حسب المرصد العالمي للسرطان التابع للمنظمة. في الوقت الذي تواجه فيه المصابات بسرطان الثدي معركة ضد مرض يهدد حياتهن ويلقي بآثار طويلة الأمد على صحتهن البدنية والنفسية، يتعرضن لمشاكل إضافية تستدعي قلقهن، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحدة من كل خمس مصابات بسرطان الثدي تتعرض لخطر الإصابة بالوذمة اللمفية المرتبطة بسرطان الثدي، وهي حالة صحية تكون خفية في الغالب، إلا أنها تثقل كاهل المريضات وتستنزف صحتهن. وتحدث هذه الحالة الصحية على شكل تورّم في أعلى الذراع بعد استئصال العقد اللمفية التي انتشر إليها السرطان. ولا تقتصر آثار هذا التورم على عدم راحة المريضة وإرهاقها بدنياً، بل يزيد من مخاطر إصابتها بالعدوى والالتهاب، مثقلاً كاهل المريضات بأعباء إضافية. الخيارات الوقائية تحيي الآمال قطع مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي شوطاً طويلاً في التعامل مع الآثار الخفية لسرطان الثدي، حيث قدّم الجراحة المجهرية الوقائية التحويلية للوذمة اللمفية العام الماضي في دولة الإمارات، وهي خطوة وقائية من الإصابة بالوذمة اللمفية. وتهدف هذه الجراحة الى التخفيف من آثار الوذمة اللمفية قبل تفاقمها. وتُجرى الجراحة بالتعاون مع كليفلاند كلينك الولايات المتحدة، وهي مصمّمة خصيصاً لمريضات سرطان الثدي، لا سيما اللاتي لديهن مخاطر عالية للإصابة بالوذمة اللمفية. وتُجرى بشكل رئيسي بالتزامن مع جراحات السرطان الأساسية على غرار استئصال الثدي، حيث تعد هذه الجراحة خطوة وقائية من حدوث الوذمة اللمفية وقد تحد من الحاجة الى جراحات أخرى. وأكد الدكتور جورونيان أهمية هذه المنهجية الوقائية، وأضاف: "إن الأعباء التي تلقيها الوذمة اللمفية على المريضات لا تقتصر على الجانب البدني، إذ يمكن أن تتسبب بالعزلة الاجتماعية، والمشاكل الحركية، إلى جانب العبء النفسي الكبير. لذلك فإن إدارة الآثار البدنية والنفسية لمرض السرطان وعلاجها هو أمر أساسي لنجاح الرحلة العلاجية بالكامل للمريضات". وإضافة الى ذلك، ساهم التقدّم في التقنيات الطبية بشكل كبير بتحسين معدلات النجاة والتعافي بين مريضات سرطان الثدي. وحول ذلك، قال الدكتور جورونيان: "أثمرت التطورات الطبية في السنوات الأخيرة عن ظهور تقنيات تشخيصية وعلاجية متطورة لمرض سرطان الثدي، حيث ساهمت هذه التقنيات في زيادة معدلات التعافي من المرض، ووضعت في متناول المريضات مجموعة من الخيارات العلاجية حسب كل حالة على حدة. فالنسبة الى التقنيات العلاجية، تشتمل قائمة الخيارات العلاجية على العلاج الهورموني، والكيميائي، والعلاجات المستهدفة". واستطرد بالقول: "نستخدم اليوم أيضاً العلاج المناعي لعلاج سرطان الثدي، حيث يتم تفعيل الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية في الجسم. وبالنسبة الى المريضات اللواتي تستدعي حالتهن الخضوع للجراحة، يطبّق فريقنا متعدد التخصصات عادة منهجية شاملة تتضمن استئصال الورم مع إعادة بناء الثدي والنظام اللمفي لتحسين التعافي والحد من الآثار الجانبية". دور التقنيات المتقدّمة في إعادة بناء الثدي تُعدّ عملية إعادة بناء الثدي بعد استئصاله جانباً مهماً من علاج سرطان الثدي. ومن الخيارات المتطورة التي تكتسب شهرة واسعة هي تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة لترميم الثدي. وتستخدم هذه التقنية الجلد والدهون والأوعية الدموية في الجزء السفلي من البطن لإعادة بناء الثدي مع الحفاظ على عضلات البطن. تختلف معدلات نجاح عملية إعادة بناء الثدي بين مريضة وأخرى تبعاً لعدد من العوامل مثل الخبرة الجراحية، وصحة المريضة، والأهداف الفردية لعملية الترميم. وقد أظهرت تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة نتائج واعدة، بما يشمل ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة لتتخطى 95%، وانخفاض المضاعفات مثل الإبلاغ عن فتق أو انتفاخ في البطن، وذلك بفضل طبيعة هذه التقنية التي تحافظ على العضلات. وغالباً ما تشعر المريضات بالرضا بشكل كبير بعد هذا الإجراء نظراً لنتائجه الطبيعية على المستوى الجمالي وانخفاض معدلات الإصابة بالمضاعفات على مستوى البطن. كما قدّم برنامج الجراحة التجميلية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي تقنية نقل العقد اللمفية، حيث يتم الجمع بين تقنيتي السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة والعقد اللمفية لعلاج الوذمة الموجودة في الذراع. وأشار الدكتور جورونيان: "في عالم اليوم الذي يشهد تطورات طبية لافتة، لا تُقاس جودة النتائج العلاجية بمعدلات النجاح والإحصائيات فحسب، بل بقدرتها على إحياء أمل المريضات وتمكينهن من استعادة ثقتهن بأنفسهن، وتحسين جودة حياتهن. وسواء كان ذلك على مستوى الجراحة الوقائية المجهرية للوذمة اللمفية أو قدرة تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة على إحداث تحول جذري في حياة المريضات، فإن هدفنا دائماً هو رسم ملامح جديدة كلياً لما هو ممكن وتمكين المريضات من العودة الى حياتهن بكل قوة وثقة بعد التغلب على المرض". اعتبارات النجاح إن نجاح عملية إعادة بناء وترميم الثدي، سواء بتقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة أو عبر وسائل أخرى، تعتمد على عوامل عدة، منها: 1. الخبرة الجراحية: إن المهارة والخبرة التي يتمتع بها الفريق الجراحي عناصران مهمان، لاسيما أن هذه العمليات تتسم بالتعقيد وتتطلب دقة كبيرة. 2. عوامل المريضة: الحالة الصحية للمريضة، مثل الجراحات السابقة وحالة الأوعية الدموية، يمكن أن تؤثر في معدلات النجاح. 3. التفضيلات الشخصية: قد تفضل المريضات نتائج محددة على مستوى الندوب، أو الإحساس، أو الحاجة إلى عمليات جراحية إضافية، مما قد يؤثر في تصورهن للنجاح المنشود. إن سرطان الثدي ليس مجرد مرض مشخص، بل هو رحلة مليئة بالتحديات. إلا أنه عبر إدخال الحلول الوقائية وتقنيات إعادة بناء الثدي المتطورة مثل تقنية السديلة المثقوبة الشرسوفية السفلية العميقة، ونقل العقد اللمفية، يسعى المجتمع الطبي للتخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل المصابات بالمرض. لذلك فإن هذه الابتكارات الوقائية والعلاجية تحيي الآمال وتبشّر بمستقبل أكثر إشراقاً للناجيات من المرض، وتتيح لهن التركيز على التعافي واستعادة حياتهن الطبيعية.
مشاركة :