بعد عشرة أيام من الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية، يبدي المزارع المتقاعد "حزنه" على القتلى العشرين الذين سقطوا في قريته نتيف هعسارا، وقد كان يعرفهم جميعاً، وبينهم عائلات بأكملها... لكنه لا يخفي أيضاً "الغضب" في داخله. ويتساءل "كيف يمكن أن يكون جيشنا الشهير قد فوجئ بما حصل؟". فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر، خلال يوم الاستراحة اليهودية الأسبوعي السبت، تسلل المئات من مقاتلي حماس إلى إسرائيل عن طريق البر والبحر الجو، وقتلوا أكثر من ألف مدني زارعين الرعب بين السكان تحت وابل من الصواريخ. وقُتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل منذ الهجوم الذي أثار الخوف في البلاد. وردّت إسرائيل بتشديد الحصار على قطاع غزة، وبقصف مدمر أسفرت عن مقتل أكثر من 2750 شخصاً، بحسب سلطات حركة حماس التي تسيطر على القطاع. وفي ظل الحرب المستعرة بلا هوادة بين إسرائيل وحركة حماس، يستذكر ياكوف وايزمان المولود في فرنسا عام 1940، طفولته خلال الحرب العالمية الثانية. فهو ابن زوجين بولنديين وصلا إلى فرنسا عام 1933 هرباً من المذابح بحق اليهود، وقد اختبأ مع والدته وشقيقته الكبرى في قرية سان جورج ديسبيرانش القريبة من ليون حيث كانت تعيش بقية أفراد عائلته. ورُحّل والده الذي اعتقلته الميليشيا الفرنسية المتعاونة مع النازية، إلى معسكر الاعتقال النازي أوشفيتز. أقل من 500 متر عن غزة في عام 1959، انتقل ياكوف وايزمان إلى إسرائيل حيث عاش في كيبوتس بالقرب من الحدود الأردنية، مدفوعاً بالرغبة في "إحياء الأرض"، ثم غادر إلى سيناء المصرية التي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967، حيث شارك في تأسيس قرية زراعة سُميت نتيف هعسارا. وأُجلي وايزمان من جانب إسرائيل في عام 1982 في إطار اتفاقات السلام مع مصر، ليستقر مع عائلته على بعد أقل من 500 متر من قطاع غزة حيث أعادوا بناء قريتهم التي حافظت على التسمية عينها. منذ عام 2005 والانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة بعد 38 عاماً من الاحتلال، أصبحت قريتهم التي يبلغ عدد سكانها 800 نسمة معتادة على إطلاق الصواريخ من الفصائل الفلسطينية المسلحة وصفارات الإنذار. ويقول "عندما نسمع ذلك، نعلم أنّ تسللاً حصل من قوات العدو". في صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لجأ وايزمان إلى ملجئه مسلحاً بمسدس، ثم سمع صوت إطلاق نار بالأسلحة الرشاشة. في مناطق أخرى، هاجم عناصر من حركة حماس ملاجئ وتجمعات سكنية وقتلوا مدنيين أو خطفوهم. لدى خروجه من الملجأ، اطمأن وايزمان إلى أنّ أبناءه وأحفاده وابنتي أحفاده، وهم 23 شخصاً يعيشون جميعاً في القرية، قد نجوا جميعاً من الهجوم. "محو حماس من الخريطة" بعد انتقاله أخيراً إلى دار للمسنين في موديعين (وسط)، يرفض ياكوف وايزمان تشبيه حركة حماس بالنازيين، لكنه يعبّر أيضاً عن غضبه من المدنيين في غزة، مستحضراً اللحظة التي "دخلت فيها حماس إلى إسرائيل، والناس الذين (في غزة) كانوا يقفزون من الفرح ويوزعون الحلوى". وفيما سعى إلى "الانتقام" من النازيين من خلال "تكوين أسرة ومواصلة العيش" في محاولة لتناسي المآسي التي عاشها، فإن وجهة نظره مختلفة اليوم. وهو يرفض وصف أعضاء حركة حماس الذين تعتبرهم إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "إرهابيين"، بأنهم "نازيون" كما يفعل بعض الإسرائيليين. ولكن بالنسبة له، فإنّ المسؤولين عن الهجمات ضد الإسرائيليين "يجب أن يدفعوا الثمن". ويقول وايزمان "علينا أن نقرن أقوالنا بالأفعال، وهو محو حماس من الخريطة"، بعد أن تعهدت إسرائيل القضاء على الحركة الفلسطينية وحشدت جنودها حول غزة استعدادا لهجوم بري على القطاع. أمّا عمّا يخبئ المستقبل بنظره، فيقول وايزمان "العودة إلى نتيف هعسارا أمر مؤكد، لكنني سأتفهم الموضوع إذا لم ترغب بناتي في ذلك".
مشاركة :