رحل الكريم «أبو ريشه» - ناصر بن فريوان الشراري

  • 3/17/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

ما زالت معالم ذلك الرجل الكريم ضاربة بالآصال في عمق تلكم الأرض الرؤوم التي أحبها وعشقها، فلطالما قفر تلك الأنحاء سابراً إياها ما بين أعلى شعيب طريف، حيث مقر بيت شعره المُشيد هناك وما بين هامة جبل «إقرن» الشامخ، بعيد وأنت تسير على الخط الدولي المتجه من طريف إلى القريات وعلى بعد عشرين كيلاً وباتجاه الغرب تتراءى لك مضارب أبو ريشه نعم منذ أن كان شاباً يافعاً وهو قد اتخذ تلك الروابي مهوىً لفؤاده ووجهةً لِحُبِ أرضٍ قد اهتوى ذرات رملها، صالح أبو ريشه وشعيب طريف وإقرن وتلكم المعالم إذا ما أخذنا بالحسبان أنه فعلاً أحد هذه المعالم والتي تتكامل في تشكيل شخصية ذلك الرجل الذي عُرف عنه الكرم وطيب المعشر وحسن استقبال وفادة كل من يقصده، أحب الناس فأحبوه حتى أصبح كثير من أهالي طريف والقريات وطبرجل يقصدون بيت الشعر المُشيد هناك بأعلى شعيب طريف، معلم ثابت أصبح من معالم الكرم والشهامة والوفاء والرجولة والطيب. عرفته عن قرب عندما كنت مديراً لفرع الزراعة بمحافظة طريف لمدة تسعة أعوام زاملته فكان نعم الصديق ونعم الكريم هو، بشوشاً ضحاكاً مبتسماً على الدوام، كان يجتمع عنده الاصحاب من أهالي محافظة طريف في أيام الأسبوع العادية، كما كان يفده الناس من القريات وطبرجل في أيام الخميس والجُمع آنذاك، كان يولم الولائم بشكل مستمر لا ينقطع عن هذه العادة حتى إنقطع عن الحياة، والكريم يكرمه الله بهباته وعطائه الغادق الذي لا ينقطع فقد كان صاحب إبل وأغنام كثيرة ترعى بتلك الانحاء من شعيب طريف وإقرن وقد أفنى كثير منها كرامةً وحباً لكل من يقصده ويحل ضيفاً عليه، كان صاحب واجب كما نقول نحن بالعامية فقد كان يزور الناس ويشاركهم بمناسباتهم فلا ينقطع عن أي مناسبة يُدعى إليها ويقوم بالواجب تجاه الناس، حيث كان عندما تأتيه دعوة وإن كانت بأقصى المملكة كان يلبي الدعوة ويحضر تقديراً وحباً فيمن يعرفهم ومن كانت له علاقة صداقة بهم لا يتأخر عن أداء الواجب وإن كان ذلك على حساب صحته فقد يتجشم عناء السفر ومخاطر الطريق لمسافات بعيدة كي يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم. صالح أبو ريشه أو أبو ممدوح ذلك الكريم التصقت بذاكرة من يعرفه علاقة أزلية ما بينه وبين شعيب طريف وبين جبل إقرن كما أسلفت بعاليه هذه الصورة الذهنية المرتسمة بذاكرة كل من يعرفه وذلك لحبه الشديد وتمسكه بذلك الموقع وتلك الأرض التي تبعث على من يقصدها إنشراحاً بالصدر وراحةً بالبال.. أرضٌ جميلة حيث يختصها الواهب عز وجل بوابل كرمه كل عام بهطل سحائب الخير لتُمطر بقطرها الكريم أرضاً عطشى لتعلن اكتساء ثوبها الأخضر القاني مُصطبغةً بعامل اليخضور لِتُعشبَ وتبعث روائح الزهر والورود البرية على إمتداد تلك المهمية. أحبَ أبو ريشة تلك النواحي وتلك القفار وتلك التلال والجبال التي لطالما إعتلى قممها وشق عُبَاب وديانها وتلالها وشعابها وتلاعها فقد أحفى ركوبته وإن كانت من ذوات الدفع الرباعي كي يطلق لعينيه العنان لترقب سماءها وتضاريس أرضها على اختلاف تكويناتها وتخاديدها وليتنهد خافِقُه ناخراً أُكسجين الحياة في أنقى هواءات الكون العاطرة الممزوج برائحة المطر الزكية. رحل الكريم أبو ريشه إلى ربٍ كريم وقد ترك خلفه سيرةً عطرة مطرزةٌ بالكرم والشهامة والنخوة وأصالة الرجل البدوي والتزامه بمبادئه التي لا حياد عنها، وقد أخذ عنه من بعده أبناؤه البررة الكرام تلكم الصفاة الحية وهم باقون عليها ما بقيت الحياة لأنها قد زُرعت فيهم منذ نشأتهم ومنذ أن درج مفهوم الكرم والشهامة على لسانهم ومسامعهم وفكرهم وذواتهم، فهم قد جُبلوا على تلك العادة من أبيهم -رحمه الله- وعزاؤنا فيه أنهم موجودون سائرون على نفس نهجه لا يحيدون عنه. فالحديث عن صالح أبوريشه لا ينتهي وأنا لم أذكر سوى ما شاهدته ولمسته عن قرب ولكل من يعرفه له ذكرى طيبة عنه تفوق ما ذكرت باضعاف، وبهذه المقتطفات البسيطة عن أبو ريشه «أبو ممدوح» أُنهي حديثي عنه بقصيدة للشاعر عايد بن رغيان الوردة والذي عندما علم بوفاة أبو ريشه تأثر من الخبر وأنشد هذه المرثية قائلاً: جيتك يابوممدوح باسم الزياره وغنيمتي في شوفتك وانت واعي قبل مزيج البنج ياخذ مساره كن الأبر نيبان سم الافاعي لحظة وفاء بدلتها باستداره وعقلي مميزها بلحظة وداعي اوتار قلبي لو عليها الجباره يزيدها ضخ الوريد اندفاعي ياعين هلي مابقى من قطاره مادام عندك بالذوارف وساعي على الذي وسمه على باب داره تاج الشرف يعطي بناه ارتفاعي صالح فخر في سيرته واعتباره منساه لو لفو عليه الشراعي فقيد قوم وموت مثله خساره وحزنن على مكلب بشكلن جماعي من طال بالقصر الشمالي إداره يومي على بابه للاجواد داعي وبيتن على العزه وسيع وجاره كنك القمر وسطه يزيده شعاعي بيض المريشيات في جال ناره يزهى بحوفتهن كريم المساعي راس الحميا في صريح العباره وكل المراجل في طوي الذراعي تكفي عن الاوصاف خطو الاشاره وكلن فهم بالمشترى والمباعي نمر قضا دوره وعقب نماره شهب السباع اللي وراها سباعي وكلن على طبعه وعلمه وكاره والعز دستور البيوت الرفاعي مقالات أخرى للكاتب الغرب و«الإلدورادو» الإيراني..!

مشاركة :