أثار قرار دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بعده إعلان وزراء الداخلية العرب تصنيف حزب الله جماعة إرهابية على الساحة العربية والدولية الحقوقيين والناشطين وبعض الساسة، ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة الجادة في مواجهة الفصائل التابعة لإيران، والتي تعمل على زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة العربية عامة ومنطقة الخليج خاصة؛ لتحقيق مكاسب إقليمية في ظل غياب المجتمع الدولي ومنظماته عن مواجهة هذه الممارسات غير المشروعة. وقد انشغل الجميع في تحليل القرار وتبعاته من منظور سياسي واقتصادي غير عابئين بأهمية القرار على المستوى الأمني لدول الخليج بوجه عام والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. فما تشهده المملكة في الآونة الأخيرة وما تكشف عنه أجهزة الأمن من عمليات إرهابية تستهدف أمن المملكة وإشعال الفتن والطائفية وتجنيد العديد من شبابنا تحت غطاء الدين لأجل القيام بعمليات مسلحة من شأنها إحداث التوتر الأمني والاقتصادي، كل ذلك يحتاج بالضرورة حزمة من القرارات الصارمة للتصدي لمثل هذه الجماعات الإرهابية أيًا كانت انتماءاتها وأيًا كانت أشكال الممارسات التي تتخذها. وفي سبيل ذلك أعلنت وزارة الداخلية عن عقوبات مشددة ضد كل مواطن ومقيم يؤيد ميلشيات حزب الله أو يتعاطف معها أو يتبرع أو يتواصل أو يؤوي أو يتستر على من ينتمي إليها، كما أجازت ملاحقة أي شخص يرتكب عملاً إرهابيًا في الخارج يمس أمن السعودية ولم يعاقب في بلده، أجازت للمحاكم السعودية محاكمته بموجب نظامها. وإذا نظرنا لمضمون هذا الإعلان من الوجهة القانونية فيمكن تفسيره وتحليله وبيان مشروعيته في النقاط التالية: 1- إعلان وزارة الداخلية عن ملاحقة كل مؤيد أو متعاطف أو ممول أو متستر لمن ينتمي إلى ميلشيات حزب الله بوصفها جماعة إرهابية هو من أعمال السيادة المحصنة ضد الطعن عليها أمام ديوان المظالم، وهو مبدأ عام لدى كل النظم المقارنة، فليس من المصلحة العليا للدولة أن تُخضع مسائل أمنها الداخلي والخارجي لما تخضع له الدعاوى القضائية من مخاصمات ومرافعات يترتب عليها من الضرر العام على استقرار الدولة أعظم مما يترتب عليها من تحقيق مصلحة فردية لآحاد الناس. وما من شك أن هذا السبب كافٍ وحده لاعتبار نظرية أعمال السيادة من النظريات المعتبرة في الشريعة الإسلامية التي تقررها قواعدها العامة أن: الضرر الخاص يُحتمل في سبيل دفع الضرر العام وأن: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والقاعدة الكبرى الشهيرة في السياسة الشرعية تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. 2- لا يوجد تعارض بين اعتبار حزب الله جماعة إرهابية، ومن ثم يعاقب كل مواطن أو مقيم ينتمي أو يتعاطف معها أو يتعاون أو يساعد أو يتستر على أحد التابعين لها وبين حقوق الإنسان ما دام الأمر يتعلق بجماعات تعبث بمقدرات الوطن وزعزعة استقراره وترويع الآمنين في ظل التحديات التي تواجهها المملكة على الصعيد الإقليمي والداخلي، الأمر الذي يتعين معه اتخاذ تدابير استتثنائية. 3- إن ملاحقة أي شخص يرتكب عملاً إرهابيًا من الخارج يمس أمن السعودية من المسائل المتواتر عليها في النظم المقارنة، لأن هذه الأعمال تدخل ضمن الجرائم التي تمس حقوق الدولة أو مصالحها في مواجهة غيرها من الدول والتي تستهدف الاعتداء على استقلالها أو إعانة أعدائها عليها أو زعزعة كيانها في المحيط الدولي. وينعكس ذلك أيضًا على أمن الدولة في الداخل، حيث لا يمكن نفي الصلة والتأثير المتبادل بين الجرائم التي تمس أمن الدولة في الخارج وتلك التي تمس أمن الدولة في الداخل، فصاحب الحقوق أو المصالح المعتدى عليها في النوعين واحد وهو الدولة، والاعتداء على النظام السياسي الداخلي للدولة يؤثر في مركزها بين الدول بل ويحدث أحيانًا خللاً في قوة مقاومتها لأعدائها، كما أن المساس باستقلال الدولة وزعزعة كيانها في المحيط الدولي ينعكس في الغالب على نظامها السياسي الداخلي وهيئاتها الحاكمة على نحو يجعل من نوعي الأفعال الماسة بأمن الدولة قسمين يقتسمان هدفًا واحدًا لا يتجزأ وهو الحفاظ على الأمن الشامل للدولة ولا يختلفان إلا في المحل الذي تقع عليه الجريمة. 4- إن تصنيف حزب الله جماعة إرهابية من شأنه تطبيق أحكام نظام جرائم الإرهاب على كل مواطن أو مقيم يقدم العون والمساعدة بطريق مباشر أو غير مباشر لمثل هذه الجماعات، وإنزال العقوبة المناسبة وفقًا للجرم المرتكب ونوع المساهمة التي اقترفها هذا المواطن أو المقيم لانطباق مفهوم الجريمة الإرهابية ومفهوم جريمة تمويل الإرهاب في حقه عملاً بالمادة الأولى من نظام جرائم الإرهاب الصادر بالمرسوم الملكي م/16 وتاريخ 24/2/1435 هـ. 5- يمكن إعمال نص المادة السابعة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية على كل مواطن أو مقيم يتخذ فعلة إنشاء موقع لـ حزب الله على الشبكة المعلوماتية أو نشرة لتسهيل الاتصال بهذه الجماعات، ونشر أفكارهم الضالة أو الوصول لقياداتهم. 6- آمل وضع الآليات اللازمة لتفعيل قرار تصنيف حزب الله جماعة إرهابية من حيث بيان تفصيلي لنوع المساهمة المُعاقب عليها وشكل العقوبة وكيفية المحاكمة وبدء تطبيق جرائم الإرهاب وتمويله ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على هؤلاء، وذلك لتحقيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وبالله التوفيق. باحث دكتوراه في الأنظمة السعودية ومستشار قانوني رابط الخبر بصحيفة الوئام: نظرة قانونية لقرار تصنيف «حزب الله» جماعة إرهابية
مشاركة :