انخفضت على نحو حاد أسعار معادن أساسية لتصنيع البطاريات، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل هذا العام، في ظل تراجع مبيعات السيارات الكهربائية في الصين، وازدياد المعروض بالأسواق. وهبطت أسعار الليثيوم منذ بداية العام بقرابة 70 %، كما انخفضت أسعار النيكل بمقدار 40 %، فيما تشهد أسواق الكوبالت تخمة، لتحوم أسعاره قليلاً فوق مستويات منخفضة قياسية، وذلك وفقاً لبيانات «بنشمارك منيرال إنتليجنس» و«ريفينيتيف» و«آرغوس». ويُعزى الانخفاض بدرجة كبيرة إلى تباطؤ نمو الطلب على السيارات الكهربائية بالكامل في الصين. وتضاعفت المبيعات في الأشهر التسعة الأولى من 2022 على أساس سنوي، لكن معدل النمو تباطأ إلى 25 % هذا العام. وأرجع مارتن جاكسون مدير وحدة المواد الخام للبطاريات لدى «سي آر يو غروب» للاستشارات، ذلك إلى «تباطؤ تسارع سوق السيارات الكهربائية». وتابع: «علاوة على ذلك، تراجعت مبيعات الإلكترونيات الاستهلاكية في الصين بنسبة من خانتين العام الماضي، ونتوقع انكماشاً إضافياً من خانتين هذا العام». ومع ذلك، قال خبراء استراتيجيون آخرون مختصون في السلع، إن انخفاض الأسعار يشكّل في واقع الأمر عودة إلى الحالة الطبيعية، بعد الطفرة التي دفعت أسواق معادن البطاريات إلى نمو مبالغ فيه في العامين الماضيين. ويأتي تراجع أسعار المواد الخام للبطاريات، بمثابة أخبار سارة لشركات السيارات ومصنعي البطاريات، الذين عانوا من زيادة بأسعار الخلايا العام الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من عقد. ولم تتجاوز أسعار الليثيوم من قبل مستوى 25,000 دولار أمريكي للطن، لكنها بدأت موجة صعود هائلة منذ منتصف عام 2021، دفعتها إلى ذروة تخطت 80,000 دولار للطن بنهاية 2022. والآن، هوت الأسعار من جديد إلى 23,000 دولار للطن. وذكر بنجامين هوف المدير العالمي لبحوث السلع لدى «سوسيتيه جنرال»: «إنه انعكاس للزيادة غير العقلانية المُسجلة بين عامي 2021 و2022، وليس ضعفاً شديداً حل على السوق». وتسلّط تقلبات الأسعار الضوء على ما تمر به أسواق مواد البطاريات من صعود وهبوط عنيف، بين قمم وقيعان، مع محاولة شركات التعدين زيادة إنتاجها سريعاً لتلبية الزيادة المُتوقعة للطلب على السيارات الكهربائية في العقد المقبل. وخلال قمة فاينانشال تايمز للتعدين خلال الشهر الجاري، أعلنت سارة ماريسايل كبيرة مسؤولي الاستراتيجية لدى شركة «ليفنت»، وهي واحدة من أكبر منتجي الليثيوم عالمياً، أن أسعار المواد الخام لبطاريات السيارات الكهربائية «ستظل متقلبة»، وأن «هذا جزء طبيعي من دورة الانتعاش والانكماش». وأضافت أن التحدي الماثل أمام شركات تصنيع السيارات والتعدين التي تسعى للتعاون لتعزيز المعروض سريعاً، هو «كيف يمكن الوصول إلى استقرار الأسعار على كلا الجانبين، وفي الوقت نفسه، إدراك أننا نتعامل مع مادة نادرة؟». وترى ماريسايل أن انخفاض الأسعار الأخير كان أكثر حدة، لأن سلسلة توريد البطاريات كانت «تخفض المخزون»، وهي عملية تنطوي على استخدام المواد المخزنة لصناعة البطاريات، وليس شراء معروض جديد، ما يفاقم من تراجع الطلب على المواد الخام. كما أدت تكاليف التمويل المرتفعة جراء زيادات أسعار الفائدة، إلى أن يكون الاحتفاظ بمخزونات المواد الخام أكثر تكلفة. سيسهم انخفاض الأسعار في تقليل تكلفة السيارات الكهربائية، لأن البطارية تشكّل ما يتراوح بين خُمس وثُلث سعر السيارة الواحدة. ومع ذلك، قد يستغرق انخفاض أسعار المواد الخام أشهر عدة للتأثير في التكلفة، ويتوقف الأمر على شروط التعاقد بين شركات التعدين والعملاء. كما فتحت تراجعات الأسعار مجالاً أمام مجموعات التعدين وشركات أخرى لتنفيذ عمليات دمج واستحواذ، مع انزلاق الأسعار. وانسحبت «ألبيرمال»، أكبر منتجي الليثيوم عالمياً، الاثنين، من عرض بقيمة 4.3 مليارات دولار، تقدمت به للاستحواذ على «ليونتاون ريسورسز»، بعدما اشترت جينا راينهارت، وهي الأغنى في أستراليا، حصة استراتيجية بشركة التعدين الأسترالية. وجاء ذلك في أعقاب اتفاق بين شركتين لإنتاج الليثيوم، هما «أولكيم» و«ليفنت»، على الاندماج في شهر مايو، في صفقة بلغت قيمتها 10.6 مليارات دولار. ويرى ريج سبنسر، المحلل لدى «كاناكورد جينيوتي»، أنه «رغم تراجع أسعار الليثيوم، سيشهد فضاء الاندماج والاستحواذ زخماً، لأنه ستكون هناك حاجة إلى شركات أكبر حجماً، وتتمتع بقوة مالية لتوفير الإمدادات». في الوقت ذاته، تضررت أسعار الكوبالت على وجه الخصوص، لأنه منتج ثانوي لإنتاج النحاس والنيكل في مناجم جمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا، ما يصعّب من خفض الإمدادات لتحقيق التوازن في السوق، حين تنخفض الأسعار على نحو حاد. وتم منع شركة «سي إم أو سي» الصينية من تصدير النحاس والكوبالت من منجمها العملاق «تينكي-فنغورومي»، لعشرة أشهر، حتى أبريل من العام الجاري، ما أسفر عن مراكمتها مخزوناً هائلاً من الكوبالت، تضخه وحدتها «آي إكس إم» للتجارة ببطء في السوق، فيما يبدأ منجمها «كيه إف إم» الإنتاج هذا العام. وقال جيم لينون كبير مستشاري السلع لدى «ماكواري»: «الكوبالت واحد من أسوأ الأسواق التي رأيتها على الإطلاق. ليس بإمكاني تذكر فائض للعرض بهذا الحجم». وأضاف: «ستبلغ الزيادة المُتوقعة للمعروض ضِعف حجم السوق تقريباً، في الثلاثة إلى أربعة أعوام المقبلة». وقال محللون ومسؤولون تنفيذيون في الحفل السنوي لبورصة لندن للمعادن، الأسبوع الماضي، إنهم يتوقعون أن تشهد أسواق النيكل والكوبالت فائضاً بالمعروض في العامين المقبلين، في وقت ينبئ فيه التقدم التكنولوجي بحاجة أقل لهذه المواد. لكن لينون أضاف أن الأسعار قد تعاود الصعود بمجرد انتهاء حرب تخفيض أسعار السيارات الكهربائية في الصين، وانتعاش الطلب من جديد، مع شراء المصنعين للمواد، إما للمساعدة في عمليات الإنتاج، أو لإعادة تعزيز المخزونات. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :