يتسابق الأوروبيون إلى توقيع عقود غاز جديدة مع المنتجين في الشرق الأوسط وخاصة قطر التي تحاول منافسة الولايات المتحدة على تعويض دول الاتحاد عن الإمدادات الروسية، متكئة على الاستثمارات الكبيرة التي سيتم ضخها لتوسعة حقل الشمال. الدوحة - وافقت قطر على تزويد شركة شل في هولندا بالغاز بموجب صفقة طويلة الأجل، في ثاني اتفاق من نوعه مع مشتر أوروبي في أسبوع بينما يتنافس البلد الخليجي مع الولايات المتحدة على مساعدة أوروبا في تعويض الإمدادات الروسية المفقودة. واتفاق شل مماثل لآخر أبرمته توتال إنيرجيز مع قطر للطاقة لتزويد فرنسا بالغاز، وهما أكبر وأطول اتفاقي إمدادات تبرمهما الدوحة مع أوروبا التي تستخدم الثقل الاقتصادي الجماعي للاتحاد للحصول على أسعار أقل. ويمثل الغاز الطبيعي أكبر مشكلة بالنسبة لأوروبا، لأن استيراده أصعب بكثير من استيراد النفط والفحم، حيث يتم تبريده وتحويله إلى سائل وشحنه على ناقلة ثم إعادة تحويله إلى غاز في منشآت خاصة. وتريد الدول الغربية إنهاء النفوذ، الذي تتمتع به روسيا على أوروبا باعتبارها أهم مورد للطاقة في القارة، وبذلك تقطع شريان الحياة للاقتصاد الروسي. وقبل الحرب في أوكرانيا أواخر فبراير 2022، كانت دول الاتحاد الأوروبي تحصل على نحو 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا. كوشال راميش: المشترون الأوروبيون أبرموا جميعا صفقات طويلة الأجل كوشال راميش: المشترون الأوروبيون أبرموا جميعا صفقات طويلة الأجل ورغم نجاحها في خفض الإمدادات، لكن الغاز الطبيعي المسال شكل نصف الكمية التي استوردتها أوروبا من روسيا بين يناير ويوليو الماضيين، مقابل الربع في الفترة نفسها قبل عام. وكثفت الولايات المتحدة شحناتها من الغاز إلى أوروبا هذا العام في خضم محاولات دول الاتحاد للبحث في جميع أنحاء العالم عن إمدادات جديدة للتخلص التدريجي من اعتمادها على الطاقة الروسية بعد تصاعد الأزمة في أوكرانيا. واستورد الاتحاد الأوروبي نحو 22 مليار متر مكعب (23 مليون طن) من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة العام الماضي. وأشار مسؤولو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أنهم يهدفون إلى زيادة الصادرات الأميركية إلى الكتلة المكونة من 27 دولة هذا العام، بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب (15.7 مليون طن) من الغاز مقارنة بعام 2021. ويتطلع الأميركيون إلى شحن 50 مليار متر مكعب من الغاز (52.4 مليون طن) سنويا إلى أوروبا حتى 2030 على الأقل، ما يمثل نحو ثلث الغاز الذي يتلقاه الاتحاد الأوروبي من روسيا. وكانت قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، تركز فيما مضى على السوق الآسيوية في الاتفاقات طويلة المدى. لكن المشترين الأوروبيين أبرموا صفقات لاستيراد الغاز للتعويض عن فقدان الإمدادات من روسيا بعد أن فرضت بروكسل قيودا على واردات الطاقة الروسية ردا على غزو موسكو لأوكرانيا العام الماضي. وقال كوشال راميش، نائب رئيس أبحاث الغاز الطبيعي المسال في ريشتاد إنيرجي، “إن المشترين الأوروبيين أبرموا جميعا صفقات طويلة الأجل من شأنها أن تصل إلى نحو 27 مليون طن سنويا في العقد الثالث من القرن الحالي، منها 9 ملايين طن سنويا من قطر”. وأكدت قطر للطاقة الأربعاء الماضي في بيان أن وحدتين تابعتين لها ولشل وقعتها على اتفاقي بيع وشراء 3.5 مليون طن من الغاز المسال سنويا لمدة 27 عاما. 9 ملايين طن سنويا ستوردها قطر للطاقة إلى ألمانيا وفرنسا وهولندا لمدة تصل إلى 27 عاما وقال سعد الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة رئيس شركة قطر للطاقة، “تؤكد الاتفاقيتان على التزام قطر بالمساهمة في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة ودعم أمن الطاقة فيها من خلال مصدر يتمتع بصفات اقتصادية وبيئية عالية”. لكن الصفقات طويلة الأجل من المحتمل أن تتعارض مع أهداف الاتحاد الأوروبي للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050. وشددت فرنسا الشهر الماضي على أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تحديد مواعيد للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري لتعزيز جهوده للتوصل إلى اتفاق عالمي في هذا الصدد في مؤتمر المناخ (كوب 28)، الذي تستضيفه الإمارات بداية من أواخر نوفمبر المقبل. وقال المتحدث باسم وزارة المناخ الهولندية تيم فان دايك إن الحكومة تهدف إلى خفض الطلب على الغاز لكنها ستحتاج إليه “في المستقبل المنظور، حيث لا تتوفر البدائل المتجددة والبنية التحتية بشكل كاف”. وسبق وأن ذكرت وزارة الطاقة الفرنسية أن صفقة توتال هي “اتفاقية تجارية بين شركتين، وهي غير ملزمة لفرنسا التي تهدف إلى الحياد الكربوني في 2050”. وأضافت “علاوة على ذلك، تنص التوجيهات الخاصة بحزمة الغاز الأوروبية على أنه لا يمكن أن تكون هناك عقود طويلة الأجل بعد عام 2050 للتسليم إلى فرنسا”. ومن المزمع أن تبدأ قطر للطاقة تسليم الغاز من مشروع توسيع حقل الشمال إلى محطة استقبال جيت للغاز في ميناء روتردام الهولندي، اعتبارا من 2026. محدودية الإمدادات تعني أن الأسعار قد ترتفع مرة أخرى إذا حدث المزيد من الاضطرابات أو كان الطقس الشتوي قاسيا في أوروبا أو شمال شرق آسيا وأشارت الشركة القطرية الحكومية إلى أنه “سيتم توريد كميات من الغاز الطبيعي المسال من الشركتين المشتركتين بين قطر للطاقة وشل اللتين تمتلكان حصصا في مشروعي توسعة حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي” في قطر. وتمتلك شل حصة 6.25 في المئة في مشروع حقل الشمال الشرقي وحصة 9.37 في المئة في مشروع حقل الشمال الجنوبي. وتتفوق آسيا، التي تقبل على اتفاقيات البيع والشراء طويلة الأجل، على أوروبا حتى الآن في تأمين الإمدادات من خطة التوسع القطرية التي تتألف من مرحلتين والتي سترفع قدرتها على التسييل من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن سنويا بحلول 2027. ودائما ما كان المشترون من الاتحاد الأوروبي مترددين في توقيع صفقات غاز طويلة الأجل مع قطر، حيث أكدت المفوضية الأوروبية أن عقودا بهذه الآجال يمكن أن تمنع التدفق الحر للغاز في أوروبا، ويجب ألا تمتد إلى ما بعد عام 2049. وتشمل الصفقات السابقة لقطر للطاقة اتفاقا لتوريد الغاز الطبيعي المسال مدته 27 عاما مع شركة سينوبك الصينية أبرمته في نوفمبر الماضي لتزويدها بأربعة ملايين طن سنويا، وآخر مماثلا أبرمته في يونيو مع شركة البترول الوطنية الصينية (سي.أن.بي.سي). وكانت ألمانيا أكبر مشتر من موسكو، ولجأت أيضا إلى قطر للحصول على غاز بديل من خلال اتفاق بين قطر للطاقة وكونوكو فيليبس وُقع في نوفمبر الماضي لتزويد برلين بمليوني طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال لمدة 15 عاما. وارتفعت أسعار الغاز العام الماضي على خلفية انقطاع الإمدادات الروسية إلى أوروبا، مما تسبب في ضغط انعكس في شكل تضخم لم تشهده من قبل، لكنها بدأت في الانخفاض هذا العام. لكن المحللين يقولون إن محدودية الإمدادات تعني أن الأسعار قد ترتفع مرة أخرى إذا حدث المزيد من الاضطرابات أو كان الطقس الشتوي قاسيا في أوروبا أو شمال شرق آسيا.
مشاركة :