رغم أن حرب الإبادة الجماعية المجرمة التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من عشرة أيام مضت على قطاع غزة، ما زالت مستمرة، ورغم أنها قد تبدو كما توعد بنيامين نتنياهو ستكون طويلة ومعقدة، إلا أن قرار وقف الحرب لن يكون بيد نتنياهو وحده، ذلك أنه كما هو معروف فإن نتائج الحروب ومآلها يتحددان بنتيجتها، وبتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية التي حددها طرفاها لها، وحيث إن المقاومة ما زالت ميدانياً تواصل الرد على الاحتلال ومواجهته، والأهم أنها تترقب دخوله البري، لتواجهه بحرب مدن، أو حرب شوارع، أي أن الوضع الميداني بكل مستوياته، يحدد إلى حد كبير نتيجة الحرب وتوقيت وقفها، لكن ذلك أيضاً منوط بالتطورات السياسية المحيطة بطرفي الحرب، خاصة حين تندلع أي حرب بين طرفين، في إطار اهتمام إقليمي وحتى دولي، وفي ظل تدخل أو اهتمام أكثر من طرف، إن كان بشكل واضح وصريح، أو بشكل خفي، أو من تحت الطاولة أو من وراء الكواليس. لابد من الإشارة أولا إلى أن هذه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تكن الأولى، وإن كانت قد تكون الأخيرة، وإن كان ذلك غير مرجح أيضا، حيث سبقتها خمس حروب أخرى من قبل، وعدد لا يحصى من المناوشات والغارات والاحتكاكات العسكرية، إلا أن هذه الحرب مختلفة عن كل تلك الحروب التي سبقتها، ونقصد بالطبع الحروب التي جرت بعد سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، وليس تلك التي جرت قبل ذلك، فهذه الحرب بالطبع هي الأعنف والأشد، وذلك يعود إلى أسباب عديدة، منها سببان أساسيان على الجانب الإسرائيلي، أولهما، أنها تلت عملية «طوفان الأقصى»، التي باغتت إسرائيل على حين غرة، وأوقعت بها خسائر بشرية غير مسبوقة، أطارت صوابها، والثاني هو مرتبط بهذا السبب، ويتعلق بالموقف الأمريكي، حيث منحت إدارة جو بايدن إسرائيل الضوء الأخضر لشن حرب إبادة جماعية رافقها منذ البداية إجراءات تقع ضمن جرائم الحرب، إن كان على صعيد استهداف المدنيين بشكل واضح وصريح، أو كان بإعلان قطع الماء والدواء والوقود والغذاء عن مواطني القطاع. وتكفي هنا الإشارة إلى أن حرب إسرائيل على غزة هذه أوقعت في خلال ثمانية أيام فقط من الضحايا أكثر مما أوقعته حربها التي شنتها عليها عام 2014، خلال 51 يوما، وفي هذه الحرب كان أكثر من 90% من الضحايا من المدنيين، وأكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، أي أن إسرائيل غير معنية بإخفاء تجاوزها لأخلاق الحروب، ولا لارتكابها جرائم الحرب، وهذا قد يعود إلى عدم مساءلتها وعدم جرّ قادتها العسكريين الذين ارتبكوا جرائم الحرب من قبل للمحاكم الدولية، وقد يعود كذلك إلى التغطية الأمريكية بالطبع كما أشرنا، كذلك إلى ما أصابهم من إحباط ويأس جراء تلقيهم الضربة الموجعة في اليوم الأول لهذه الحرب. أما فيما يتعلق بالإجابة عن السؤال المتعلق بتوقيت وقف الحرب، أو على الأقل بتوقف شن الغارات التي تستهدف المدنيين وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، فيمكن القول إن ذلك يتحدد وفق ما يتحقق من الأهداف المعلنة والخفية لطرفيها، وبطبيعة التطورات الميدانية وما يرافقها من تحركات سياسية محيطة، فيما يخص حماس فقد قالت حين نفذت عملية «طوفان الأقصى» بأنها جاءت ردا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية بشكل عام، وعلى ما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات التهويد بشكل خاص، أما غير المعلن من الأهداف _بتقديرنا_ فهو يتعلق بأهم ملفين طالما طالبت حماس بحلهما، وهما ملف الأسرى وملف الحصار المتواصل منذ 17 عاما، والذي بات التجاهل الإسرائيلي المتواصل للملف الأول رغم أسر حماس منذ عام 2014 لأربعة جنود إسرائيليين له، كذلك إغلاق أي أفق أمام حياة طبيعية لسكان القطاع، أحد الدوافع لعملية طوفان الأقصى، وما يجعلنا نقول هذا، هو أولاً مبادرات حماس المتتالية لتحريك ملف الأسرى، وصد إسرائيل، وكذلك إعلان الاستعدادات لإنزال بحري لاختراق بلدات غلاف غزة الإسرائيلية من قبل. ولهذا نحن نعتقد بأن كوماندوز حماس استهدف العودة إلى غزة بأسر عدد من الجنود الإسرائيليين لهذا الغرض، لكنه فوجئ بسهولة العملية، وبالغفلة الإسرائيلية، الأمر الذي دفع ميدانياً لجعل العدد أكبر بكثير مما كان متوقعاً، أما على الصعيد الإسرائيلي، فقد أعلنت إسرائيل أنها تستهدف سحق حماس، وتدمير قدراتها العسكرية، ولكن لأنها تدرك أن ذلك يتطلب أكبر من عملية عسكرية خاطفة، ولأنها تخشى في نفس الوقت من وقوع الخسائر البشرية الباهظة في صفوف جنودها، نظراً لاكتظاظ غزة، السكاني، وللتحصينات تحت الأرض خاصة، ونظراً لتطور القدرات العسكرية والتسليحية والخططية لدى فصائل المقاومة، فإنها أعلنت أن الحرب ستطول وستكون معقدة جدا. أي إن الحرب لن تنتهي على الأرجح بتحقيق الهدف الإسرائيلي، ولهذا فإن إسرائيل لجأت إلى ارتكاب المجازر الهائلة بحق المدنيين لتطهير قطاع غزة، وتجريد المقاومة من الحاضنة الشعبية، ولو أمكنها دفع القطاع إلى أن يصبح أرضاً محروقة، أو خالية من السكان، فإن ذلك يعني تصفية القضية الفلسطينية، ذلك أنها بذلك لن تحقق فقط الأمن لسكان بلدات الغلاف فقط، بل ستضمن في أي حل قد يفرضه الإقليم أو المجتمع الدولي، أولاً إخراج القدس من الحل، وضمها، وثانياً إجهاض فكرة الدولة الفلسطينية، حتى ولو كانت فقط في قطاع غزة، وبالطبع إحكام السيطرة تالياً على الضفة الفلسطينية، حتى لا يكون بمقدورها أن تحظى بأكثر من حكم محلي، عبارة عن كانتونات، أو معازل مفصولة عنصرياً، كما كان حال شعب جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري، أو حتى تكرار تجربة تهجير سكانها وذلك بطردهم إلى الأردن، وهكذا فإن تحقيق الهدف الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية، سيشكل خطراً كبيراً أولاً على دول الجوار، خاصة الأردن ومصر، اللتين لهما مصلحة أمنية _سياسية بإقامة الدولة الفلسطينية بينهما وبين إسرائيل، لأن من شأن تلك الدولة أن تضع حداً لأطماع إسرائيل التوسعية. وأطماع إسرائيل أو طموحاتها لا تتوقف عند حدود المس بحدود دول الجوار، فقط، بل تتعدى ذلك إلى السيطرة على الإقليم بأن تكون دولة إقليمية عظمى، إن لم يكن بمقدورها أن تكون دولة كونية عظمى، ولهذا فإن اهتمام ومصلحة معظم دول الشرق الأوسط، إضافة إلى دول الجوار، في صد واحتواء نزعة التوسع الإسرائيلية، ونقصد الدول المركزية غير دول الجوار، الدول ذات الثقل الاقتصادي، حيث بات نفوذ الدول في هذا العصر يتحدد وفق هذا المعيار، وليس وفق القوة العسكرية وحسب، ولهذا فإن لإسرائيل مشكلة مع إيران، وبشكل ما مع تركيا، وستظهر مشكلتها مع دول الخليج عاجلا أم آجلا. وحيث إن هذه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تجري في ظل ارتفاع حدة الصراع الدولي على النفوذ، أو بين قوتي الغرب التي تحاول الحفاظ على النظام العالمي الحالي الذي تتفرد بقيادته، وبين دول الشرق: الصين وروسيا، فإن الاهتمام يحيط بهذه الحرب ويؤثر جداً في صيرورتها ومآلها، ولعل الاهتمام الروسي الذي كان متميزاً، إن كان من خلال تقديم مشروع أكثر من قرار إلى مجلس الأمن لمحاولة لجم حدة العدوان الإسرائيلي، وتخفيف الضغط على غزة، أو إن كان عبر توصيف الرئيس فلاديمير بوتين، بأن الحصار على غزة يذكر بالحصار النازي للينينجراد، فإن ذلك أيضاً يشير إلى ما كان الراحل العظيم ياسر عرفات يصف به المقاومة الفلسطينية بقوله «من جنين غراد إلى رفح غراد»، وهذا قد يعني بأن قدر غزة بات مشابهاً لقدر لينينجراد، من حيث إن صمود المدينة الروسية ألحق الهزيمة بالنازي رغم حجم الضحايا، هكذا قد يكون قدر غزة أن تلحق الهزيمة بدولة الاحتلال. { كاتب من فلسطين
مشاركة :