كفاكم عبثًا بمدارسنا

  • 3/18/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المدرسة، في عُرف التربية والتعليم وفي ثقافة التربويين عامة، هي المؤسسة التعليمية التي يُوكل إليها المجتمع مهمة تحقيق أهدافه التربوية، وهي التي تقود عملية بناء الأجيال وإعدادهم الإعداد الجيد للحياة وبناء المستقبل ومواجهة تحدياته. وقد تَكَرَّسَ في الواقع العملي وبات من الثابت المسلم به أن المدرسة لم تعد مجرد مؤسسة تعليمية فحسب، بل إن لها وظيفة اجتماعية تتمثل في خدمة المجتمع والمشاركة في تنميته المستدامة، وفي هذا وغيره ما يجعل مبادئ الشراكة المجتمعية عنوانا بارزا لكل مدرسة عصرية تحترم أدوارها وتؤدي وظائف التعليم والتربية والتأهيل والتكوين على أكمل وجه وأبهى صورة. ومن ثم فمن باب أولى - بدلاً من أن تكون المدرسة عرضة لمؤامرات إرهابية - أن نتنادى جميعنا إلى دعوة المدرسة البحرينية ممثلة في وزارة التربية والتعليم لتفعيل الشراكة المجتمعية مع قوى المجتمع والبيئات المحيطة بكل مؤسسة تعليمية بهدف بناء جسور من العلاقات والمفاهيم المشتركة لخلق قاعدة عمل اجتماعي يرتقي بالتعليم كمؤسسة وكعمليات مترابطة من شأنها ضمان تفعيل أدوار المدرسة الريادية في المجتمع. إن للمدرسة رسالة إنسانية ينبغي احترامها، وهذا ما يجب على الجميع إدراكه. فإذا ما نمى إلى أفهامنا هذا المعنى وارتقى وعينا به استيقظت مشاعرنا وتحفزت إراداتنا للدفاع عن مدارسنا، حواضن مستقبل ناشئتنا. بهذا المعنى المبسط لأفهام عامة الناس والمراهقين منهم، من المغرر بهم تحديدًا، نسأل هل تستحق مثل هذه المؤسسات منا كل هذا العنف والاستباحة كل هذه المدة من الزمن؟ ماذا يمكننا أن نسمي من يتجرأ على ارتكاب جريمة الاعتداء على هذه المؤسسات التعليمية، كما حدث لخمس مدارس دفعة واحدة مساء يوم الإثنين الماضي، كما نشرت صحافتنا، بهدف عرقلة وصول ناشئتنا إلى مقاعدهم الدراسية بأمان؛ لينالوا حقهم الدستوري في التعليم، غير أنه إرهابي وعدو للمجتمع ومعول هدم وسادنا من سدنة معابد الجهل والظلام؟ ما المبرر الذي يمكن أن يُبرر به هؤلاء المجانين شر فعالهم القبيحة ليتيح لهم بوقاحة إجرامية لا خلاف فيها أو حولها حشر المدارس في أي خلاف سياسي؟ أعتقد أن كل ذي عقل سوي يعسر عليه فهم هؤلاء وإيجاد مبرر ولو ضئيل لجرمهم الذي لم يكفه تشويه الحاضر فقفز إلى المستقبل يطلب إخماد أنفاسه في المهد صبيًا. بالنسبة إلي لم يكن ما نشرته الصحافة المحلية بخصوص الاعتداءات مفاجئا أو صادما وإن جاءت تلك الوقائع من خارج سياق الاستقرار الأمني والهدوء؛ ذلك أن مثل هذه الاعتداءات تكررت قبل ذلك 385 مرة فإذا ما أضفنا خبر يوم الإثنين المتعلق بالاعتداءات الخمسة الأخرى التي نشرت عنها الصحف في داخل صفحاتها وكأن الأمر بات عاديًا ولا علاقة له بالإرهاب، فإن عدد المدارس التي تريد بعض الجهات استباحتها بالعنف ونشر الكراهية فيها ومن خلالها يبلغ 390 مدرسة، قلت إن الخبر لم يكن مفاجئًا أو صادمًا ولكن الخبر وبلوغ عدد المدارس المعتدى عليها إلى هذا الرقم يبقى مقلقًا لعلاقته بمستقبل الأبناء أولاً، ويثير سؤالاً مصيريًا؛ فإلى متى سيستمر مثل هذا الاستهتار بركن تربوي هو حق أساسي من حقوق الطفولة، بل لعله أهمها على الإطلاق؛ لأنه مفتاح كل شيء؟ وعن هذا السؤال يتولد احتجاج مواطني أراه مرتسما على ملامح كل مطلع على هذا الرقم المخيف، ومضمون هذا الاحتجاج أن خمس سنوات وأكثر قد مضت وأمن الأبناء ومستقبلهم التعليمي والتربوي على صفيح ساخن، فمتى يثوب المجانين المخربون إلى رشدهم ويكفوا عن هذا العبث؟! متى يعي هؤلاء أن الطرق إلى المدارس وجميع دروبها ينبغي أن تكون سالكة كما كانت أبدًا قبل الرابع عشر من فبراير 2011. ما كنت لأتناول موضوع الاعتداءات هذه لولا الصدفة المحضة التي أوقعتني بين خبرين على طرفي نقيض، والمصادفة هي أنني كنت أقرأ خبر الاعتداءات هذه في الوقت الذي كنت فيه أستمع إلى وزير التربية سعادة الدكتور ماجد النعيمي وهو يتحدث في لقاء تلفزيوني سريع عن جهود الوزارة في مد اهتمامها بشكل أوسع ليغطي كامل المؤسسات التعليمية في البلاد الأمر الذي يقتضي مراجعة المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1998، بشأن المؤسسات التعليمية والتدريبية بهدف تطوير عدد من المواد لتعزيز الرقابة والمتابعة الإدارية والفنية لضمان الالتزام بالاشتراطات الضامنة للارتقاء بالتعليم مع إشارة سعادته إلى أن الوزارة بصدد تسلم مدارس جديدة في مختلف محافظات المملكة. نعم إنها صدفة تقتضي مني طرحها على الرأي العام لمحمولاتها المتناقضة؛ فبين الخبرين تناقض صارخ بين يد مباركة تبني ويد آثمة تهدم وتخرب. شتان بين الخبرين. لا شيء في سلوك من يأتي بمثل هذه الأعمال الخارجة على الفطرة الإنسانية تغير منذ أكثر من خمس سنوات. نعم الأمن فرض نفسه والفضل هنا يعود إلى الدولة في تطبيق قوانينها الرادعة، مع جهوزية دائمة لرجال الأمن الأشاوس تحسبا لكل طارئ، لكن يبقى هناك الدور المنوط بالإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. فإذا لم تتضافر الجهود المجتمعية في رفع صوت النقد الاجتماعي على كل المنابر لإدانة هذه الاعتداءات المتكررة؛ وللفت الانتباه إلى أن العلم مهدد في بنيته التحتية، فإن الجهود الأمنية وحدها لن تكون كافية مهما كان حجمها. صحيح أن لدينا أجهزة أمن يقظة ولكن هذا غير كافٍ إذا لم يتعزز ذلك بإيمان أفراد المجتمع بأهمية النأي بالتعليم بكل أبعاده عن شغب المراهقين وعبث المحرضين. وإني لأقولها لكم للمرة الألف، ولن أسكت حتى نقتلع معا العفن من أرضنا الطيبة: كفوا عن العبث، وارفعوا أيديكم القذرة عن معابد العلم، فمدارسنا بالروح نفديها لأنها منا مستقبل وطن نبذل من أجله الغالي والنفيس. ولعلي في الختام أشير إلى أهمية أن تكون المنابر الدينية، وهي المحرضة أصلا من حيث لا تدري.. أو تدري باعتبارها واحدة من المنابر الإعلامية الأهم والأكثر تأثيرًا في هذا الإطار فأبعث إليها بدعوة، بأن تخصص فقرات في خطابها لتنبيه المراهقين والصبية بخطورة أفعالهم، وإن أرجأت قليلاً الاستغراق في الحديث عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، التي لا أرى مسوّغًا لها كل هذه المدة بالرغم من أن كثيرًا من المياه قد عبرت من تحت الجسر!

مشاركة :