عند بداية الطريق المؤدية إلى منطقة المقطم بالعاصمة المصرية القاهرة، يطل مسجد وضريح السيدة عائشة الكائن في شارع يحمل الاسم نفسه بحي الخليفة خارج ميدان القلعة، إذ جاءت السيدة عائشة إلى مصر في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وأقامت في مصر مدة، وكثر مريدوها من أهل مصر، حيث كانت من مريدي الآخرة ودائما ما كانت تترك الحياة وما عليها مجتهدة ومخلصة في عبادتها، وتوفيت سنة 145 هجرية، أي في العشرينات من عمرها ودفنت في منزلها. أجمع المؤرخون على قدوم السيدة عائشة إلى مصر ووفاتها فيها، إذ أكد السخاوي في تحفة الأحباب، أن السيدة عائشة مدفونة في مصر، وأنه عاين قبرها في تربة قديمة على بابها لوح رخامي مدون عليه هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق بن الإمام محمد باقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، وزوجة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. كان ضريح السيدة عائشة في البداية صغيراً وبسيطاً حتى القرن السادس الهجري، وكان يتكون من حجرة مربعة تعلوها قبة ترتكز على صفين من المقرنصات، ثم اهتم بعمارته الفاطميون والأيوبيون، وأنشأوا بجوار الضريح مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وعندما أحاط صلاح الدين الأيوبي القاهرة والعسكر والقطائع والفسطاط بسور فصل بين قبة السيدة عائشة وبين القرافة، ثم فتح باباً في السور إلى القرافة، وسمي باب عائشة، ويعرف الآن بباب القرافة، وأعاد عبد الرحمن كتخدا بناء المسجد سنة 1176 هجرية/ 1762ميلادية، ثم هدم المسجد وأُعيد بناؤه سنة 1971 على ما هو عليه الآن. عرف مسجد السيدة عائشة، على مدار عقود من الزمان بأنه وجهة للمحتاجين والطامعين في التقرب إلى الله، فأجواؤه الروحانية المباركة تجعل منه طبيباً يداوي النفس ويريح القلب مجانا، إذ يلتف الآلاف يومياً حول مقام السيدة عائشة، أملاً في العلاج الروحي والابتعاد عن الحياة بكل صعوبتها ومشاكلها، وكذا عرفت صاحبة المقام بأنها قدوة في الزهد والتضحية بالدنيا وإغراءاتها والتلذذ بالله وطلب الآخرة، كما عرف عنها التدين والبركة والاجتهاد، وهي الصفات التي اتسم بها جميع آل البيت. ويحتفل عدد كبير من الأشخاص سنوياً وتحديداً من 14 شعبان حتى 19 من الشهر نفسه، بمولد السيدة عائشة بزيارة مقامها، الذي ظل باقياً في هذا المكان منذ مئات السنين، إذ تتحول المنطقة بأكملها إلى مهرجان كبير، بسبب الأعداد المهولة من محبيها ممن يأتون إليها سنوياً من جميع محافظات وقرى مصر، إذ تتنوع فئات محبيها لتضم جميع الناس بمختلف شرائحهم وطبقاتهم، ممن يودون التعبير عن حب آل البيت. وعرف والدها الإمام جعفر الصادق، بألقاب الصادق، الطاهر، واشتهر بالصادق، ومن هنا سمي جعفر الصادق، إذ كان عليه السلام مستجاب الدعوة، لا يطلب من الله شيئاً إلا وجده إلى جانبه، ويقول عنه العارفون: جعفر الصادق ثقة لا يسأل عنه، وكان نقش خاتمه ما شاء الله لا قوة إلا بالله. أما شقيقها الإمام موسى فكان معروفاً بأنه باب قضاء الحوائج عند الله، وكان إذا تهيأ للصلاة تجري دموعه من خشية الله، وجعل الله منه الطيب الكثير، فكان له 37 من الأولاد ما بين ذكور وإناث، تناثرت علومهم وآدابهم الإسلامية في شتى البقاع، وسمي الكاظم لشدة حلمه، وكان نقش خاتمه الملك لله وحده. الجدير بالذكر، أن شيخ العروبة أحمد زكي باشا، من رواد إحياء التراث العربي الإسلامي، كان تأكد من وجود جثمان السيدة عائشة بالضريح، فنادى على رؤوس الأشهاد، بقوله: إن المشهد القائم في جنوب القاهرة للسيدة عائشة النبوية، هو حقيقة متشرف بضم جثمانها الطاهر، وفيه مشرق أنوارها ومهبط البركات بسببها، وقد كتب على باب القبة ما نصه: لعائشة نور مضيء وبهجة.. وقبتها فيها الدعاء يجاب.
مشاركة :