انتهت الحرب العالمية الثانية إثر مَحق مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقنبلتين النوويتين الأشهر في التاريخ. القنبلتان اللتان قتلت بهما الولايات المتحدة حوالي 200 ألف شخص مُستَعرضةً عضلاتها العسكرية على كوكب الأرض برمّته. أما عن سبب إلقاء القنبلتين، فيعرفه الكثيرون، ولكن ما ليس معروفًا هو أن ألبرت أينشتاين كانت له صلةٌ بشكلٍ أو بآخر بهذه الكارثة، وربما لولاه لنجت المدينتان اليابانيتان من القصف، ولم يتغير تاريخ البشرية إلى ما آل إليه. في عام 1938، أي قبل بداية الحرب العالمية الثانية بعام واحد، توصل 3 علماء ألمان إلى إنجاز من شأنه أن يغير مصير البشرية إلى الأبد؛ إذ استطاع كلٌ من أوتو هان وفرانز ستراسمان وليز ميتنر أن يشطروا نواة ذرة اليورانيوم 235 فيما يُعرف بعملية "الانشطار النووي- Nuclear fission". الانشطار النووي ببساطة هو عملية شطر نواة ذرة ما إلى نواتين أو أكثر من أجل إنتاج طاقة أقل ما يُقال عنها إنها هائلة، وذلك بحسب معادلة أينشتاين الشهيرة E=MC2. وبعيدًا عن التفاصيل العلمية، تيقن العلماء الثلاثة أن الطاقة الناتجة عن شطر اليورانيوم يُمكن أن تُستَخدم لبناء قُنبلة نووية لم يسبق للبشرية أن رأوا مثلها، ولكن ليس بهذه السرعة، فالتحديات المطروحة أمامهم تحتاج إلى ما هو أكثر من معادلات نظرية. على سبيل المثال، ليس من السهل إطلاقًا توفير كمية كبيرة من اليورانيوم 235، أو غيره من العناصر التي يُمكن أن تُشطَر مثل البلوتونيوم 239، وذلك لندرتيهما في الطبيعة، ناهيك عن المشكلات الفنية الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها. المهم أن الألمان لم يستطيعوا التغلب على التحديات التي حالت بينهم وبين صُنع القنبلة النووية رُغم أنهم كانوا على مقربة من ذلك. ولسوء حظ هيروشيما ونجازاكي، عَلِم "أينشتاين" بتأخر الألمان وهرع إلى الولايات المتحدة ليحذرها. اقرأ أيضًا:الأعنف والأكثر شراسة.. تاريخ الزلازل بتركيا وأسباب حدوثها شهرٌ واحد قبل بداية الحرب، وبالتحديد في الثاني من أغسطس عام 1939، سارع الفيزيائي الغني عن التعريف "ألبرت أينشتاين" بإرسال خطابٍ مكون من صفحتين إلى الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت"، يُنبئه فيه بآخر تطورات الألمان في السباق النووي، ويحذّره من عواقب نجاح تجاربهم. في ذلك الوقت كان العبقريُ في أمريكا بالفعل، مُحتميًا بها من النازيين واضطهادهم لليهود، فكما نعلم جميعًا أن "أينشتاين" كان يهوديًّا وكان دائم الانتقاد لحكومة "هتلر"، فضلاً عن تمسكه بمفاهيم السلام والحقوق المدنية ومعاداة السامية، وكل ما يمكن أن يجعله هدفًا مُحتملاً أمام "أدولف هتلر". على هامش الخطاب التحذيري الموجّه لـ"روزفلت"، وصف "أينشتاين" ما يمكن للانشطار النووي الذي توصل إليه الألمان توًا أن يصنعه بأنه "نوع جديد من قنابل مُهلِكة قادرة على محو موانٍ بأكملها وما يحيط بها من مساحات". الجدير بالذكر أن "أينشتاين" لم يكتب الخطاب بنفسه، وإنما وقّع عليه؛ فالفيزيائي "ليو زيلارد" هو الذي كتبه، ومن ثَمَّ أقنع "أينشتاين" بتوقيعه لأنه عرفَ أن الرئيس "روزفلت" سيستمع إليه، وهو ما كان. وفي نفس الشهر الذي تَسَلَّم فيه الخطاب، أوصى "فرانكلين روزفلت" بتشكيل لجنة تبحث في الأمر. وفي ذلك الوقت كانت الحرب قد اندلعت، ولكن أمريكا لم تكن قد انحشرت بعد. جسَّت اليابان نبض الولايات المتحدة عندما غزت قواتها منطقة الهند الصينية سعيًا وراء النفط. في تلك اللحظة فرضت أمريكا حظرًا على الكثير من الواردات، بل جمَّدت الأصول اليابانية، مُطالبةً إياها بالانسحاب من المناطق التي احتلتها في الصين والهند. علِمت اليابان أن الاشتباك مع الولايات المتحدة أصبح حتميًّا، وحفرت قبرها بنفسها عندما قررت الهجوم على ميناء بيرل هاربر في أبريل من العام 1941. وبالفعل، باغتت اليابان أمريكا وفجرت ميناء بيرل هاربر في السابع من ديسمبر من نفس العام، مُدمرةً مئات الطائرات ومُجهزةً على حياة الآلاف. كان هدف اليابان من هذا الهجوم شل أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادي، وبالفعل كادوا أن ينجحوا، وحتى أن "روزفلت" وصف ذلك اليوم المشؤوم "باليوم الذي سيُخلَّد في العار". دخلت أمريكا الحرب بشكلٍ رسمي، ونشرت جنودها في مختلف الجُزر اليابانية مُشتبكةً في عدة معارك أبرزها "معركة أوكينوا- Battle of Okinawa" التي راح ضحيتها -من الطرفين- أكثر من 100 ألف جندي. وقبل انتهاء معركة أوكينوا بعدة أشهر، وبالتحديد في 12 أبريل من عام 1945، تُوفي الرئيس "روزفلت" وخلفه "هاري ترومان" الذي أصبح مسؤولاً عن تحديد الطريقة التي سيُنهي بها الحرب. عَلِم "ترومان" أن بلاده تعمل على مشروعٍ سري لصُنع أول قنبلة ذرية في التاريخ. كان هذا المشروع هو "مشروع منهاتن- Manhattan Project"، والذي لربما كان سيتأخر قليلاً لولا جواب "أينشتاين" لـ"روزفلت". أمر "ترومان" الحكومة اليابانية بأن تستسلم استسلامًا غير مشروط في معاهدة "بوتسدام" الشهيرة، وإلّا سيهلكهم بهجوم فوري ومُدمّر. يمر 11 يومًا ولا تتلقى الولايات المتحدة ردًا، فتستعد قاذفة قنابل تُسمى "إينولا جاي- Enola Gay" في السادس من أغسطس عام 1945 أن تُغادر جزيرة تينان متُجهةً إلى اليابان لتُندّمها على تجاهل بلاد العم سام. وفي الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة صباحًا، تُسقِط قاذفة القنابل الأمريكية قُنبلة "الولد الصغير- Little Boy" على مدينة هيروشيما لتبيدها وتتسبب في وفاة 80 ألف شخص خلال الدقائق الأولى فقط، وآلاف الأشخاص بعد ذلك نتيجةً لإشعاعاتها المميتة. وفي التاسع من أغسطس، أي بعد 3 أيام فقط من فاجعة هيروشيما، تنقض قنبلة "الرجل البدين- Fat Man" على مدينة نجازاكي لتقتل حوالي 40 ألف شخصٍ وتصيب حوالي 25 ألفا. تستسلم اليابان خاضعةً وتُزهَق أرواحٌ تقدر بحوالي 200 ألف شخص. تُسوَّى هيروشيما ونجازاكي بمستوى سطح البحر، والبقية تاريخ. على الرغم من أن "أينشتاين" لم يكن مُصرَّحًا له بالعمل على مشروع منهاتن من الأساس؛ إذ اعتُبِر مصدر تهديد قومي، إلّا أنه تفوه بعدة كلمات وتصريحات تُثبت أنه متورطٌ بشكلٍ أو بآخر في فاجعة هيروشيما ونجازاكي، إذ قال: • "يا ويلتاه! إنه أنا"- أينشتاين عقب سمعاه بإلقاء القنبلة على اليابان.• "لو كنت أعرف أن ألمانيا لم تكن لتنجح في صُنع القنبلة النووية، لم أكن لأحرك ساكنًا".• "أنا لا أعتبر نفسي أبَا القنبلة الذرية، لقد ساهمت بشكلٍ غير مباشر"، هذا التصريح كان اعترافًا واضحًا، ومن "أينشتاين" نفسه، على مساهمته بشكل أو بآخر في صنع القنبلة الذرية. الجدير بالذكر أن "ألبرت أينشتاين" كتب لصديقٍ ياباني: "لطالما أدنت استخدام القنبلة الذرية ضد اليابان، ولكنني لم أستطع أن أفعل شيئًا لمنع ذلك القرار المصيري". مما وصلنا من سيرة "أينشتاين"، فنحن نعلم جميعًا أنه كان مُسالمًا، وأنه لم يكن أبدًا ليسمح بما حدث إن كان القرار بيده، وهذا جليٌ في خطاباته. ولكن ما نعرفه أيضًا، وما يعرفه أينشتاين كذلك -باعترافاته-، أنه كان سببًا بشكلٍ أو بآخر في إلقاء القنبلتين النوويتين الوحيدتين في التاريخ، ذلك باستثناء التجارب النووية مثل ترينيتي وغيرها، وأنه إن لم يحذّر الولايات المتحدة، لكان التاريخ تغير.
مشاركة :