العنف الأسري يطيح بأمان الأبناء وشخصيتهم

  • 3/18/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ينسى البعض أن أطفالنا أمانة في الرقاب، ويتعاملون معهم بالعنف المفرط في بعض الأحيان، ظناً منهم أنهم بهذا الأسلوب يربون الطفل تربية صحيحة، عملاً بالمثل القائل: العصا لمن عصى، كما يلجأ البعض إلى إفراغ شحنة غضبه في طفل ضعيف لا ذنب له، إذ ربما يتعرض الأب لضغوط في عمله أو تتشاجر الأم مع زوجها، ليجدا في الطفل وسيلة لإشباع غضبهما مستغلين قلة حيلته، من دون أن يفكر أحدهما كيف سيؤثر هذا في الطفل، الذي ينظر إليهما باعتبارهما مظلة الأمان. وتأخذ مراكز التنمية الأسرية في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، أمان الطفل على عاتقها، وتبحث في أسباب العنف الأسري الذي يطيح بالصغار إلى غياهب العدوان والضياع. وخلال التحقيق التالي، نسلط الضوء على مساوئ ونتائج العنف الأسري على الأطفال ومستقبلهم.. همسة يونس، اختصاصية تربوية، وكاتبة، تقول: مجرد اللمس من قبل المربي، سواء كان أماً أو أباً أو مدرساً، مرفوض ، فالضرب بأي شكل من الأشكال سواء كان خفيفاً أو قوياً، لا يمت للتربية السليمة بصلة، بل بالعكس هو بمثابة رسالة من المربي مضمونها أنه فشل في التربية لهذا يلجأ للعنف. وعن تجربتها مع أبنائها، تقول: طوال عام دراسي تعبت وأنا أحاول إقناع المعلمة ألا تضرب ابني أو تلمسه حتى، فأنا ووالده لا نستخدم تحت أي ظرف العقاب البدني فكيف نسمح للآخرين بتدمير ابننا نفسياً؟ فالضرب يحطم شخصية الطفل، ويدمر ثقته بنفسه، ويجعله يكره المدرسة، إلى جانب الرسائل التربوية السيئة التي ستصل للطفل . وتضيف: المربي الذي يلجأ للعنف، شخص ضعيف الشخصية، وفشل في احتواء الطفل وكسب حبه، ولم يبق له إلا أسلوب العنف والقمع، فالطفل الذي يتعرض للضرب سيصبح إما انطوائياً وخجولاً، ما سينعكس على مستواه الدراسي، أو أنه سيقابل العنف بالعنف ويتعمد التشويش على كل من هم حوله واستفزازهم، ولكن برأيي أن المربي الناجح هو الذي يكسب أبناءه بالحب لا بالعنف. من واقع تجربتها أعدت يونس كتابها قرصة حب، الخاص بتربية الأطفال بعيداً عن العنف والأذى النفسي أو الجسدي، وتقول: "لاحظت وجود حالات من فُصام لدى البعض، فرأيت بعض أولياء الأمور مثلاً عاجزين عن تفريغ شحنة غضبهم في عملهم ويتعرضون هناك لضغوط ومشاكل، فيعودون للمنزل ليفرغوا طاقتهم السلبية في أطفالهم وهم لا ذنب لهم. وتؤكد أن كل أشكال العقاب حتى النفسي منها مرفوضة، وتهين الطفل وتفقده احترامه لنفسه وتعيق استيعابه وتنعكس سلباً على دراسته، ومنها مثلاً الصراخ والشتائم والإهانة، وغيرها، ويرى التربويون أن تلك الممارسات الخاطئة تصنع جيلاً حاقداً كارهاً للمجتمع، ذا شخصية مهزوزة". وتقول د.زيزيت مصطفى نوفل، أستاذ مشارك في كلية الآداب قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة: فكرة ضرب الأبناء سواء في البيت أو المدرسة، شكل خاطئ من أشكال التربية، وأمر مرفوض دون نقاش، لما له من أثر سلبي يفوق أثره الإيجابي المتوقع بكثير. وتضيف: يكفي أن نقول إن الضرب يتسبب بتركيبة نفسية معقدة مستقبلاً، والطفل الذي يتعرض للعنف يتولد داخله شعور بالكراهية نحو العمل المكلف به ونحو الشخص الذي يضربه، مهما كان مقرباً منه. وبالتالي إن كان الابن يتعرض للضرب من قبل والديه فسيتولد لديه شعور بالكراهية نحو مجتمعه، وبالتالي سيتسبب في تأخر الطالب الدراسي، وضعف شخصيته، ونحن نشهد هذا التطور في جميع جوانب حياتنا. علينا إدراك أن الضرب أسلوب غير حضاري وعلى أي تربوي أن يتذكر أن الأبناء أمانة وليسوا وسيلة لتفريغ شحنات الغضب. وتؤكد أمل بالهول، المستشارة النفسية في برنامج وطني، أن الحوار هو الحل الأنجع لكل مشكلات الطلبة، فهو يقرب المسافات، ويفرغ الشحنات السلبية، ويقلل من حدة العنف، مشيرة إلى أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كان دائم الاجتماع مع الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس في يوم الصحة النفسية، وكان سموه حريصاً على الاطلاع على تقاريرنا السنوية عن مشكلات الطلبة. وتوضح بالهول، أن العنف لا يمكن أن يكون وليد اللحظة بل هو نتيجة تراكمات وليست ردة فعل مباشرة من قبل المربي، ولكن سلوكه العنيف ظهر لأسباب عديدة منها فقده القدرة على السيطرة على نفسه وردود أفعاله، نتيجة تعرضه لضغوط كثيرة أدت به في النهاية للانفجار، لذا يكون الحل بالفعل بالحوار، لامتصاص سلبيات الضغوط، أو ربما تكون نتيجة اعتقاد خاطئ سائد بأن الضرب هو أحد أفضل وسائل التربية، وهو أمر ناجح للتربية وسيحقق نتائج تبهر الأهل إن استخدموه مع أبنائهم. ويتحدث أحمد الكبيسي، عن الجانب الديني، قائلاً: الأبناء أمانة، وعلينا واجب توعيتهم وتوجيههم وتربيتهم وفق تعاليم ديننا الإسلامي، بعيداً عن العنف، وعُرف عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، أنه لم يضرب طفلاً قط، وطريقة معاملته الحنونة لحفيديه الحسن والحسين تعتبر خير قدوة لنا، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول). فن الحوار عبد العزيز الخضراء، كاتب متخصص في المجال التربوي، يقول: تَحاوُرُ ساعة خير من تكرار النقد شهراً، هذه الحقيقة تؤكدها التجربة ويشهد لها الواقع، ومن هنا تأتي أهمية تحاور الآباء مع أبنائهم، فالتحاور يحترم الذات الإنسانية للأبناء، فلا يفرض عليهم أفكار وتجارب وخبرات الآباء، وإنما يترك تلك الخبرات تنمو معهم عن طريق اكتسابها ذاتياً عبر المناقشة، كما يدفع الابن إلى التفكير العميق والملاحظة والاستنتاج بعيداً عن التلقي والحفظ والترديد، ومن ثم يزيد من ثقته بنفسه عند طرح الأفكار أو الرد عليها. ولذلك يجب علينا ألاّ نبقى كآباء نهوى النقاش ونحب الجدال وصناعة الكلام، ولا نعرف فن الحوار الذي يتطلب القليل من التروي والكثير من الحذق والتدريب. ويضيف: بعض الآباء يجد في أسلوب الحوار الصارم المبنيّ على القسوة الطريقة المثلى التي تحيطهم بهالة من الهيبة والتقدير اللذين يرغبون بالظهور بهما أمام أبنائهم، وهذا في الواقع يُحدث خللاً في علاقة الآباء بالأبناء. قانون حماية الطفل القانون الجديد لحقوق الطفل جاء ليغطي ويشمل جميع المجالات المتعلقة بها، ويحوي من الآليات ما يضمن تطبيقه ومن العقوبات ما يشكل رادعاً لمن لا تردعه أخلاقه ودينه عن التعدي على الأطفال. يضم القانون 72 مادة، احتوت على حقوق الطفل كافة، التي كفلتها المواثيق الدولية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ الدستور الإماراتي، حيث ضم القانون الحقوق الأساسية والحقوق الأسرية والصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية للطفل، إضافة إلى حق الطفل في الحماية وآليات توفير الحماية للأطفال، بجانب فصل كامل يختص بالعقوبات. وفي مجال الحماية الثقافية للأطفال، يحظر القانون تداول أو عرض أو حيازة أو إنتاج أي أعمال مرئية أو مسموعة أو مطبوعة أو ألعاب إلكترونية تخاطب غرائزه أو تشجعه على الانحراف. مشدداً العقوبة في ذلك لتصل إلى حبس سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم، كما يحظر القانون جميع أشكال العنف في المؤسسات التعليمية، وينص على حمايتهم من الاستغلال أو سوء المعاملة. مسؤولية الأهل تُرجع فاطمة سجواني، الاختصاصية النفسية في منطقة الشارقة التعليمية، أسباب أغلب المشكلات التي يواجهها الطلبة وتنعكس سلبياً على مستواهم الدراسي، إلى وجود مشاكل داخل الأسرة، كالعنف أو التفكك الأسري أو الضغط النفسي من قبل الأهل، وتؤكد أنه لا يمكن أن يكون الطفل معافى نفسياً وذا شخصية متميزة قوية وناجحاً دراسياً، إلا إذا كان هناك تفهم كامل لاحتياجاته النفسية من قبل الأهل. وتقول: بعض الأسر، خصوصاً التي تعاني التفكك والمشكلات، تعتبر الطفل أرضاً لحل مشكلاتها ولو كان هذا على حساب بناء شخصيته وتركيبه النفسي السوي، إذ يسعى كل طرف أو أحدهما من الانتقام من الطرف الآخر ولو على حساب الطفل، وكثيراً ما تردنا حالات عن تراجع دراسي واضح أو سلوكيات خاطئة لدرجة تفقد المدرسة معها السيطرة على الأمور، وحين نجلس مع الطلبة ونتحاور معهم بهدوء نكتشف أنهم ضحايا قبل أن يكونوا متهمين. كف عن إيذائي في العام 2008 انطلق برنامج كف عن إيذائي المتخصص بحماية الطفل، وهو خط مجاني متاح على مدار اليوم يستقبل الاتصالات ويتحرك مباشرة لحماية الطفل. وتوضح عفاف المري، مديرة إدارة دائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، أن خط نجدة الطفل يقدم خدمة طوارئ هاتفية مجانية على مدار الساعة تتسم بسهولة الاتصال وتستقبل الحالات من أنحاء الدولة، سواء كانت من الأطفال أنفسهم أو أولياء أمورهم أو من الأفراد الراغبين في الإبلاغ عن حالات اعتداء أو اضطهاد ضد الأطفال. وتقول: خط نجدة الطفل ليس تدخلاً في شؤون سلطة الوالدين أو السيطرة على أو التحكم بطرق التربية في العائلة، وإنما هو خط مساعد وداعم لها، وهو مشروع إنساني، يعد إحدى أدوات حماية الأطفال المعرضين للمخاطر أو الإيذاء بأنواعه المختلفة، ومساعدة الوالدين في حل هذه المشكلات التي يتعرضون لها مع أبنائهم.

مشاركة :