يتعين على نقطة انطلاق التطورات في الشرق الأوسط أن تبتعد عن أية عمليات تعزز صورة الغرب الذي يستنبط الحلول ويضع المقترحات الجديدة للمنطقة، التي تبدلت بشكل جوهري منذ العام 2011، وتتوقع التعامل معها بما يضمن كرامتها ووجودها في موقع القوة المحركة لعجلة نموها. لقد آن الأوان للتعاون على وضع استراتيجية إعادة بناء إقليمية تعالج جميع أنواع العنف، بما يتخطى الصراع المتشدد الحالي. تحتاج المنطقة إلى استراتيجية دائمة التطور تحافظ على نظرة شمولية لحل المشكلات تستنبط في الوقت عينه مختلف أشكال التدخل دون أن تخنقها في إطار قوالب جاهزة أو صناديق عدة. ولا بد اليوم من تطبيق أساليب جديدة متجذرة أسسها في القيادة الإقليمية الحقيقية، والمشاركة على نطاق واسع، وإشراك الشباب، واستخدام التكنولوجيا. استراتيجية بسبعة أسس يجب أن ترتكز أعمدة هذه الاستراتيجية على الرؤية الإقليمية المشتركة، والمشاركة المحلية الفاعلة، والأمن الذكي، والمصالحة والعدالة، المساواة، إعادة البناء والتطوير، والكفاءات. تتسم المنطقة، بدلاً من الرؤية الشاملة للتطوير، برؤية دفاعية أنشئت بذريعة وجود تنظيم داعش. يدرك الجميع أهمية وجود حد أدنى من الأمن لتنفيذ إعادة البناء، التي أثبتت التجارب أن غيابه يدفع إلى الصراع والعنف، وبالتالي الاعتماد على المساعدات الإنسانية. وتحتاج المنطقة لإيجاد سبل تفهم أفضل للتركيبة التفصيلية للأمن على المستويين المحلي والإقليمي بهدف تطوير استراتيجيات مناسبة تحول دون وقوف غياب الأمن المحلي بوجه إنماء بقية المناطق. دور العدالة والقدرات لا يمكن حماية الاستثمار طويل الأمد في إعادة البناء من دون مصالحة حقيقية في المنطقة، سيما بوجود خطوط صدع كثيرة تبدأ من فلسطين وإسرائيل وتمر بالتوترات الطائفية ومماحكات المجتمعات المهاجرة والمضيفة، وصولا إلى المناوشات السنية الشيعية. وتبقى الوسيلة الجوهرية لإطلاق مبادرة المصالحة في التأكد من سيادة حكم القانون ونشر العدالة، بغض النظر عن الآلية المتبعة. ويمكن في هذا الإطار البناء على النظم المحلية والتقليدية لتحقيق العدالة والمصالحة. ويرافق إعادة البناء عادةً خطأ شائع يتمحور حول غياب التنظيم والمراقبة الكافيين للتأكد من توزيع المنافع بالتساوي. وقد شهدت المنطقة بشكل متكرر مدى سهولة دمج سادة إعادة البناء لأموالهم والاستفادة من أموال القطاع العام، وبالتالي تعميق أزمة البلاد. لا بد للمضي قدماً بعملية إعادة البناء من أخذ الجهود المبذولة بعين الاعتبار الناس الأكثر فقراً واقتداراً حتى لا يشعر أحد بالتهميش. إلا أن إعادة البناء والتطوير تحتاج لاستثمار هائل في تعزيز قدرات مستدامة على المستوى الإقليمي، والقومي والمحلي. ومن المهم الاستثمار في قطاع التعليم سيما بعد المرحلة الأساسية لدعم الأفراد وتأهيلهم، ليصبحوا قادةً يتمتعون بالمفاهيم والقدرات المناسبة لإعادة بناء المنطقة. في فورة امتلاك التطور ركزنا الجهود على العلوم المعقدة، والهندسة والتجارة وعلوم الكمبيوتر وتجاهلنا ثقافتنا ولغاتنا وتاريخنا. ولا بد من تصحيح هذا الخلل، وقد حان الوقت لتطوير أفكارنا بلغتنا الخاصة دون الاستعانة بترجمتها. ويستدعي إنجاز ما سبق معالجة الهشاشة في إطار رؤية إقليمية متماسكة، وليس عبر خطط منفردة. ويعتبر بناءً جداً محاولة المجتمع الدولي والمانحين النظر إلى المنطقة ككيان كلي، والحض على تحمل المسؤولية الإقليمية في مختلف الدول، بما يؤدي إلى ريادتها في مجال قدراتها الخاصة. ويمكن للشركاء الدوليين دعم هذه الرؤية بأساليب جديدة ومبتكرة من التمويل تستفيد من الضمانات المتوازية للمنطقة ككل، وليس كل بلد على حدة. إذا تمكنا من اعتماد نهج إقليمي حقيقي، فقد نصل إلى يوم تسمو فيه كرامة الإنسان والنمو البشري على المماحكات السياسية والطائفية. رؤية في ظل فشل تحقيق آمال الربيع العربي، وانحدار عدد من البلدان نحو المزيد من الطائفية، تتجلى اليوم الحاجة لرؤية مشتركة تتخطى الحدود القومية، وتتضمن توحيد موارد المنطقة. وتشكل الرؤية الشاملة خطوة لا بد منها لنقل المنطقة إلى القرن الحادي والعشرين وإخراجها من الحلقة المفرغة للصراع والنمو المتعثر. ومن الأهمية بمكان أن تدرك الرؤية الإقليمية بأن النمو يتطلب مجتمعاً مدنياً فاعلاً، ووسائل إعلام حرة، وأفكاراً وأفعالاً تغييرية . وتساعد عملية الاشتراك في استشارات على امتداد المنطقة على مساهمة المدارس والأحزاب السياسية والاتحادات وأطياف المجتمع المدني في بناء حلم المنطقة .
مشاركة :