أجمع خبراء ومتخصصون في مجال التكنولوجيا الحديثة، أن الإمارات نجحت في غضون سنوات قليلة في تسخير بنيتها التحتية الرقمية المتطورة وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، لصياغة مشهد جديد في أساليب تقديم الخدمات الحكومية والخاصة في القطاعات المختلفة، وإعادة تصور مستقبل هذه الخدمات، مع ضمان أعلى مستويات الحماية والأمن السيبراني. وكشفت أكثر من 250 جهة حكومية إماراتية والمئات من شركات التقنية الخاصة، خلال مشاركتها معرض جيتكس جلوبال 2023، الذي اختتم أعماله أول أمس، عن عدد غير مسبوق من المبادرات والتطبيقات الرقمية، التي عكست تسارع وتيرة تبني هذه الجهات لتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات القطاع العام والخاص، لدعم مسار التحول الرقمي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفيما أعلنت العديد من الوزارات الاتحادية عن عدد واسع من الخدمات الجديدة والمحدثة والمشاريع التي تدعم جهود التحول الرقمي، قامت الحكومات المحلية بعرض برامج وتطبيقات الدوائر والهيئات والمؤسسات التابعة لها والتي أبرزت تسارعاً قوياً في وتيرة تبني التقنيات الحديثة والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تسهيل الخدمات المقدمة، حيث عرض جناح حكومة أبوظبي بقيادة دائرة التمكين الحكومي إلى جانب أكثر من 30 جهة حكومية في الإمارة نحو 110 مشاريع ومبادرات تقنية عكست التزام حكومة أبوظبي بالارتقاء بالخدمات الحكومية والأمن السيبراني إضافة إلى الكشف عن أحدث إنجازاتها ضمن أجندتها الرقمية في مجالات الحلول الحكومية الرقمية وتحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي والتمكين الرقمي. وعرضت دائرة التمكين الحكومي، النسخة الجديدة من منصة خدمات أبوظبي الحكومية الموحّدة «تم» التي تُتيح إنجاز ما يزيد على 750 خدمة توفرها أكثر من 30 جهة حكومية في أبوظبي، إضافةً إلى باقة مختارة من خدمات القطاع الخاص المرتبطة بحياة أفراد المجتمع اليومية. كما شهد جناح الحكومة في المعرض الإعلان عن عدد من المبادرات الرئيسية، بما في ذلك نظام فحص المركبات باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي قدمته دائرة البلديات والنقل، ومشروع «إتاحة إمكانيات البيانات من أجل الصالح العام» وإطلاق الإصدار الثاني من منصة التحليل والاستقراء من مركز الإحصاء – أبوظبي، ومشروع دائرة الطاقة – أبوظبي المتمثل في «المرحلة الثالثة من الخارطة الحرارية»، الذي يهدف لقياس كثافة استهلاك المياه والكهرباء في المباني بتقنيات ثلاثية الأبعاد. وعرضت الجهات الحكومية في أبوظبي ابتكاراتها المتطورة التي ترسم المستقبل الرقمي للإمارة، لتؤكد مجدداً مكانة حكومة أبوظبي الرائدة في مجال تطوير الحلول المبينة على الذكاء الاصطناعي والتقدم القائم على البيانات. شركات تقنية وأكد عدد من مدراء شركات تقنية عالمية وخبراء في مجال التكنولوجيا ل«الاتحاد»، على هامش مشاركتهم في معرض جيتكس، أن دولة الإمارات، تعد من أوائل الدول في المنطقة والعالم التي أدركت أهمية الدور المحوري لتقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات في رسم ملامح المستقبل، الأمر الذي مكنها من تبوؤ مراتب متقدمة بين العشرة الكبار في مؤشرات جودة البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتنافسية الرقمية العالمية. قيادة التحول الرقمي وأكد نعيم يزبك، مدير عام شركة مايكروسوفت الإمارات، أن دولة الإمارات تأتي في صدارة الدول الريادية بالمنطقة والعالم في مسار التحول الرقمي، منوهاً بالشراكة التي تمتد لأكثر من 3 عقود بين مايكروسوفت ودولة الإمارات، التي تتمتع اليوم بواحدة من أفضل البنيات التحتية الرقمية حول العالم، سواء من ناحية الاتصال والربط أو من ناحية خدمات مراكز البيانات، التي تشكل ركيزة لمسار التحول الرقمي. وأوضح أن السنوات الأخيرة شهدت تسارعاً لافتاً في تبني دولة الإمارات لحلول التكنولوجيات المتقدمة حيث باتت من أهم البلدان في المنطقة والعالم، من ناحية تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتسهيل تقديم الخدمات من الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وهو ما يبرز من خلال تسابق معظم المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة على عرض أحدث تطبيقاتها ومبادراتها الرقمية خلال معرض جيتكس هذا العام. مساعد رقمي في هذا السياق أشار يزبك، إلى إعلان مايكروسوفت خلال المعرض عن تطوير واجهة «المساعد الرقمي للمواطنين والمقيمين» المدعومة بالذكاء الاصطناعي عبر شراكة مع «كاجول»، بهدف توفير تجربة تواصل سلسة مع المتعاملين بلغتهم الأم وتقديم المساعدة لهم في إنجاز مختلف الخدمات الحكومية. وأوضح أن المساعد الرقمي الذي يعتمد على تكنولوجيا تم تطويرها في دولة الإمارات، قادر على مساعدة العملاء في إنجاز العديد من الخدمات الحكومية مثل تجديد رخص القيادة والتقدم بطلب للحصول على التأشيرة الذهبية ودفع المخالفات المرورية، وإمكانية الوصول إلى الخدمات الشخصية باستخدام بطاقات الهوية الإماراتية للمقيمين، فيما يمكن تدريبه على تقديم خدمات أخرى كالإرشاد السياحي وتقديم الدروس التعليمية، وغيرها من الخدمات والأنشطة. مراكز البيانات وأشار يزبك أن استباقية تبني دولة الإمارات لحلول التكنولوجيا المتطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتوسع في استضافة مراكز البيانات، ساهمت بشكل كبير في تفوق البنية التحتية الرقمية لدولة الإمارات، والتي تم الاستفادة منها بشكل واسع خلال جائحة كوفيد-19، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والأعمال، متوقعاً أن تلعب التكنولوجيا دوراً أساسياً في مواجهة مخاطر التغيرات المناخية. وأوضح أن مايكروسوفت تستعد لمشاركة أساسية في «كوب 28» لعرض وتجربة حلولها الجديدة التي تساعد العالم على مواجهة تحديات التغير المناخي، والتي من بينها تقنيات خاصة تم تطويرها من قبل الشركة، تُمكن المؤسسات الرسمية والخاصة من قياس كمية الكربون المستخدمة، فضلاً عن تطوير تكنولوجيات أخرى مع شركاء مايكروسوفت لاستخدامات الطاقة الذكية في المباني. مشهد الحماية السيبرانية وتزامنا مع تسارع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، يشهد جانب الحماية السيبرانية تغيراً شاملاً، عبر زيادة القدرات والمهارات البشرية واستثمار الجهات الحكومية والخاصة في القطاعات المختلفة في تبني العديد من الإجراءات والتدبير الحازمة لتفادي تلك الهجمات وتوفير حلول تقنية للتعامل معها والحد من آثارها الخطيرة. وقال إرجان آيدين، نائب الرئيس الإقليمي لدى «بالو ألتو نتوركس» أنه بالتزامن مع تسارع تبني المؤسسات لتقنيات الجديدة، فمن الأهمية بمكان بالنسبة لها أن تتخذ خطوات لتحسين منظومة الأمن الإلكتروني ومن ضمن ذلك قدرتها على كشف التهديدات والاستجابة لها بصورة آنية، مشيراً إلى أن المؤسسات في دولة الإمارات ستكون من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الأمن الإلكتروني الخاصة بها، قادرة على تحسين دفاعاتها ضد مجموعة واسعة من التهديدات الإلكترونية، وتقليل الزمن اللازم للاستجابة لها، ومراقبة منظومة الأمن الإلكتروني لديها بشكل أفضل، إلى جانب تطبيقها لأفضل الممارسات الأخرى المتعلقة بالأمن الإلكتروني مثل تدريب الموظفين، وتبني سياسات مُحكمة، واعتماد نهج أمني متعدد الطبقات. وأوضح أن بحثاً أجرته شركة بالو ألتو نتوركس مؤخراً، أظهر أن 95% من المؤسسات في دولة الإمارات تخطط لزيادة استثماراتها في تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين استراتيجيات الأمن الإلكتروني الخاصة بها، فيما رأى 81% منهم الذكاء الاصطناعي على أنه عامل تمكين مهم بالنسبة للتوجه العام للمؤسسات بخصوص الأمن الإلكتروني. أخبار ذات صلة رئيس الدولة: استقرار «الشرق الأوسط» مصلحة عالمية إرسال 120 طناً من المساعدات الإغاثية إلى الفلسطينيين في غزة معايير حماية عالمية وفي هذا السياق يؤكد عز الدين حسين، المدير الإقليمي للحلول الهندسية لدى شركة «سينتينل وان» الأميركية المتخصصة في الأمن السيبراني، أنه مع تزايد وتيرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأعمال والخدمات المختلفة، وكذلك التوسع في الاعتماد على السحابة العامة أو الخاصة أو الهجينة لحفظ البيانات، فقد دفع الأمن السيبراني إلى اعتماد أدوات أخرى من الحماية، يمكنها معالجة سلوك الأفراد سواء في جهات العمل المختلفة لاسيما تلك التي تتيح خيار العمل عن بُعد، فضلاً عن تطوير برامج جديدة توفر الحماية للبيانات بغض النظر عن موقعها. وأكد حسين إن دولة الإمارات تعد من الدول الرائدة، التي استشرفت مبكراً إمكانيات تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تستخدم حالياً على نطاق واسع في كل الأنشطة والمجالات ومنها الأمن السيبراني، بعد أن وفرت كافة معايير الحماية القياسية العالمية لتقليل مخاطر التعرض للهجمات السيبرانية، فضلاً عن نشر التوعية بين أفراد المجتمع لتفادى الأخطاء الفردية لتنجب المخاطر. المؤسسات المالية وأوضح أن الإحصائيات تشير إلى أن المؤسسات المالية كانت ثاني أكثر القطاعات تأثراً بالهجمات السيبرانية على مستوى العالم، مشيراً إلى أن مؤسسات الخدمات المالية والتأمين على مستوى العالم شهدت خلال العام الماضي 566 مليون حالة اختراق، مما أدى إلى تسرب أكثر من 254 مليون سجل، فيما زادت هجمات الفدية على خدمات الخدمات المالية من 55% في عام 2022 إلى 64% في عام 2023، وهو ما يقارب ضعف ال34% التي تم الإبلاغ عنها في عام 2021. تم إيقاف هجمة واحدة فقط من بين كل 10 هجمات قبل أن يحدث التشفير، مما يجعل ما مجموعه 81% من المؤسسات ضحايا لتشفير البيانات. تشريعات الذكاء الاصطناعي وفي ظل الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والذي استلزم بالضرورة ابتكار أدوات جديدة للأمن السيبراني، فإن تنظيم وحوكمة هذا القطاع أخذت تشكل بدورها أهمية قصوى، وهو ما يؤكده المحامي والمستشار القانوني الإماراتي محمد النجار، الذي أشار إلى أن دولة الإمارات تُعد من الدول السباقة على المستوي الإقليمي والدولي في التشريعات القانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والجرائم الالكترونية. وأوضح النجار أنه وحرصا على إحداث وضمان توازن قانوني فعال يضمن للجميع من الناحية القانونية الاستخدام الأمن للتكنولوجيا وأدوات للذكاء الاصطناعي، جاءت مشاركته كمحامي للمرة الأولى في «معرض جيتكس جلوبال 2023» لتقديم العديد من الأوجه القانونية للجهات المشاركة بالمعرض مثل التوجيه القانوني للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، حماية الملكية الفكرية، خصوصية البيانات والأمن السيبراني، الامتثال للتقنيات الناشئة، التراخيص والموافقات التنظيمية في القطاعات شديدة التنظيم مثل التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى الاعتبارات الأخلاقية والحفاظ على أعلى معايير السلوك المهني، وخاصة في صناعة ديناميكية مثل التكنولوجيا، كما ندعم أيضاً الجهات المشاركة في «جيتكس» من خلال تنظيم ورش عمل وندوات للتوعية القانونية تهدف لتثقيف الشركات الناشئة حول الجوانب القانونية لأعمالها.
مشاركة :