الأمريكيون العرب ودور سياسي غائب في الانتخابات الأمريكية (2-2)

  • 3/18/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

انتخابات رئاسية أمريكية أخرى تأتي، ولايزال العرب الأمريكيون مترددين بشأن ممارسة العمل السياسي من خلال الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، رغم أن هذا الأمر يشكل عائقًا أساسيًا في طريق اكتسابهم لأي نفوذٍ أو تأثير مقدر في الساحة السياسية التي يسيطر عليها الحزبان بشكلٍ شبه مطلق. يكمن السبب الأساس لهذا التردد في الرفض العام السائد في أوساط الجالية لرؤية الحزبين وسياساتهما فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. والمفارقة أن العرب أنفسهم يدركون حقيقة سيطرة الحزبين على الفضاء السياسي، وأن أي اختراق سياسي لهم هو ضروريٌ جدًا لتحقيق مصالحهم من جهة، وأن تحقيق مثل هذا الاختراق ليس ممكنًا، في هذه المرحلة من تاريخ أمريكا، إلا من خلال العمل السياسي في الحزبين. العرب وانتخابات الرئاسة الأمريكية يشكل الرفض العام نوعًا من الضغط على النشطاء العرب في المجال السياسي، لأن هؤلاء يعتمدون بشكلٍ كبير على الأصوات العربية في عمليات الانتخابات، وهم يخشون من خسارة هذه الأصوات فيما إذا تحركوا تحت راية حزبٍ من الحزبين في منطقة من المناطق وتصادف مثلًا أن يكون عمدة المدينة أو حاكم الولاية من نفس الحزب، وأن تكون له آراء قوية مؤيدة لإسرائيل أو ضد العرب، الأمر الذي سيجعل العرب الآخرين ينظرون إلى الناشط السياسي العربي على أنه حليفٌ لذلك السياسي لمجرد أنهما ينتميان لحزبٍ واحد. صحيحٌ أن المواطن العربي يسمع ويقرأ عن بضعة أسماء من المرشحين للانتخابات الأمريكية، لكن الحقيقة أن هناك مئات من الذين رشحوا أنفسهم لسباق الرئاسة في هذا البلد، وفي حين أن غالبية هؤلاء مستقلون، إلا أن كثيرًا منهم ينتمون إلى واحدة من الأحزاب الكثيرة «الصغيرة» الموجودة رسميًا في أمريكا. تصاعد النظرة السلبية تجاه العرب الأمريكيين وتزيد أهمية الموضوع حين نعلم حقيقة تصاعد السلبية في الرأي العام الأمريكي تجاه العرب الأمريكيين. فقد أظهر استطلاع لمؤسسة زغبي منذ أسابيع أن المواقف الإيجابية بين الأمريكيين حيال الجالية العربية هبطت من 49% عام 2010 إلى 40% الآن، في حين تدنت المشاعر تجاه المسلمين الأمريكيين من 48% إلى 33% خلال نفس الفترة. لكن هناك فارقًا واضحًا بين الحزبين الكبيرين في هذا الأمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. إذ خلص الاستطلاع إلى أن 51% من الديمقراطيين يكنون مشاعر إيجابية للعرب الأمريكان مقارنةً بـ 34% من الجمهوريين، الذين تنخفض النسبة بينهم إلى 25% عندما يتعلق الأمر بالمسلمين الأمريكان، في مقابل 44% من الديمقراطيين. العرب ومحاولة تشكيل قوة سياسية مؤثرة ويبدو الخروج من هذه الحلقة المفقودة صعبًا مالم يحسم العرب أمرهم وينتقلون لمارسة السياسة في أمريكا انطلاقًا من شؤونها وقضاياها المحلية أولًا وقبل كل شيء آخر. لامانع طبعًا أن يهتم هؤلاء بقضايا الشرق الأوسط والعالم العربي، لكنهم يعرفون أن تأثيرهم في السياسة الخارجية الأمريكية سيكون محدودًا إلى حين وصولهم لتشكيل قوةٍ سياسية داخلية وازنة. لابأس أيضًا أن يساهم العرب، ومعهم المسلمون الأمريكان، في المحاولات المتواضعة التي تتكرر في هذه البلاد لإنشاء حزبٍ مستقل ثالث يعطي الجميع فرصة الخروج من حصار الديمقراطيين والجمهوريين. لكن هذا لايجب أن يمنعهم من التعاطي مرحليًا مع الحزبين الكبيرين لامتلاك الخبرة والمهارة والتجربة السياسية المطلوبة، ولامتلاك شيءٍ من الحضور والنفوذ في الدوائر السياسية المحلية، يتناسب على الأقل مع عددهم ومع منزلتهم الاجتماعية الاقتصادية «Socio Economic Status» العالية داخل المجتمع الأمريكي. التعدد الأمريكي.. مئات المرشحين وعشرات الأحزاب بعكس ماهو شائع، ليس فقط في العالم العربي بل في العالم بأسره، لاتقتصر الساحة السياسية الأمريكية على الحزبين الكبيرين المعروفين: الجمهوري والديمقراطي، كما أن انتخابات الرئاسة الأمريكية ليست محصورةً، نظريًا ومن ناحية الترشيح والمشاركة في السباق، في مرشحي الحزبين. فالأحزاب منتشرةٌ بشكلٍ كبير في أمريكا، بعض هذه الأحزاب إقليمي وله علاقة بمفهوم الاستقلال عن أمريكا مثل حزب الاستقلال في نيويورك وحزب الاستقلال في آلاسكا وحزب الاستقلال في كنيتيكيت. وهناك أحزاب لها علاقة ببعض القيم مثل، الحزب التقدمي في ولاية فيرمونت وحزب العدالة الأمريكي وحزب الحرية الأمريكي، أما بعضها الآخر فله علاقة بقضايا محددة مثل حزب الخضر وحزب العائلات العاملة، مرورًا بحزب الماريغوانا الأمريكي، وليس انتهاءً بالحزب الشيوعي الأمريكي وحفنة متنوعة من الأحزاب الاشتراكية، إلى غيرها من الأحزاب الأخرى. أما قائمة المرشحين فهي كبيرةٌ وتضم فعليًا مئات من المرشحين الذين يأتون من خلفيات متنوعة تنوع المجتمع الأمريكي نفسه. فإلى عددٍ مقدر من أعضاء الكونغرس وحكام الولايات وعُمد بعض المدن الأمريكية، هناك مثلًا كيث جود السجين السابق من تكساس، وسام سلون لاعب الشطرنج العالمي من نيويورك، وداريل تشيرني الموسيقي والناشط في مجال البيئة من كاليفورنيا، والطبيبة جيل ستيرن مرشحة حزب الخضر من ولاية ماساتشوستس، وأندرو ماكافي رجل الأعمال ومُبتكر أول برنامج لمكافحة فيروسات الحاسوب الذي اشتُهر باسمه الأخير، وميمي سولتيسيك الرئيس المشارك للحزب الاشتراكي الأمريكي، وغيرهم من المواطنين الأمريكان من مختلف الخلفيات والأعراق والانتماءات. «بوش» ينسحب مبكرا بعد نبوءة أمه مبكرًا، ومنذ ثلاثة أعوام، أكدت باربارا بوش، زوجة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب ووالدة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أنها لاتريد لابنها الأصغر، حاكم ولاية فلوريدا السابق، جيب بوش، أن يترشح لسباق الرئاسة الأمريكية أبدًا. وعللت ذلك بالقول: «هناك مرشحون آخرون في أمريكا مؤهلون جدًا لهذا الأمر»، ثم تابعت قائلةً: «وقد كان لدينا مافيه الكفاية من عائلة بوش [في هذا الموقع]». لم يستجب الابن الطَموح لهذه النصيحة التي يبدو أنها كانت نابعةً من بصيرةٍ وعلم بالمجتمع الأمريكي، وازداد حماسه للترشيح حين رأى مستوى المرشحين الذين كان هناك شبه إجماع على مستواهم الضعيف. لكن بضعة أشهر عملية في السباق كانت كافيةً لتؤكد له أن مواطنيه يتفقون مع نصيحة والدته إلى نهاية المطاف. إذ إن الرجل أعلن انسحابه بعد خسارته الكبرى في ولاية ساوث كارولاينا منذ قرابة شهر. .. وينتظر فشل الآخرين ليكون مرشح الجمهوريين رغم هذا، جاءت المفاجأة يوم الثلاثاء حين فاز الرجل، وهو غير مرشح رسميًا بأكثر من 2% من الأصوات في ولاية فلوريدا التي حكمها ثمانية أعوام. ورغم أن هذا قد لايكون مؤشرًا كافيًا على إمكانية عودة الرجل إلى الساحة، إلا أن مراقبين يتحدثون بشكلٍ متزايد عن إمكانية كونه «مرشح المؤسس»، الذي ستُسقطه بالبارشوت خلال عقد مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيُقرر اسم المرشح الجمهوري بين 18-21 يوليو (حزيران) المقبل في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو. والسبب في هذا هو تصاعدُ احتمال الوصول إلى ذلك التاريخ دون قدرة المتنافسين دونالد ترمب وتيد كروز على نيل عدد الوكلاء المطلوب للفوز بالترشيح. وفي هذه الحالة يمكن للمؤسسة الجمهورية أن تختار أحدهما، أو أن تقترح مرشحًا ثالثًا خروجًا من الانقسام بين أنصار المرشحين. المفارقة هنا أن بوش قال في تصريحٍ له منذ شهور أنه سيفوز بالترشيح ولو خسرَ الانتخابات التمهيدية، وهذا مادفعَ أحد أشهر المعلقين المحافظين، رش ليمبو، إلى التأكيد بعد نتائج الثلاثاء أن المؤسسة ستلجأ إلى بوش في نهاية المطاف. هل تكون هذه نبوءةً تاريخية؟ وهل تُظهر «المؤسسة» عضلاتها بهذا الشكل الواضح في مواجهة رأي الشعب الأمريكي؟ هذا ماستكشف عنه الأسابيع المقبلة. ترامب الاستعراضي يواصل المفاجآت قد يعتقد البعض أن هناك نظامًا مُحددًا يَفرزُ من البداية من هي الأسماء «ثقيلة الوزن» في سباق الانتخابات الطويل، وأن هؤلاء هم الذين يظهرون في وسائل الإعلام أكثر من غيرهم الآن. لكن الحقيقة غيرُ ذلك تمامًا. فالسباق للوصول إلى كرسي رئاسة أقوى بلدٍ في العالم يكاد يكون، خاصةً في أول بضعة شهور، أقربَ لعملية المقامرة ولَعبِ «اليانصيب». على سبيل المثال، اعتقد الكثيرون أن ترشيح دونالد ترامب، المليادير ومقدم البرامج التلفزيونية، هو أشبه بنكتة عندما حصل الأمر، أو أنه في أحسن الأحوال جزءٌ من عملية الاستعراض المعروفة عن الرجل خلال العقدين الماضيين في أمريكا، وأن هذا الاستعراض سينتهي سريعًا. بالمقابل، كان ترشح جيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا السابق وابن الرئيس السابق وأخ الرئيس السابق، مأخوذًا بجديةٍ كبيرة في أوساط المعلقين. لكن ماحصلَ خلال الانتخابات التمهيدية الحالية ينسجمُ مع «لعبة» الانتخابات هنا، حيث نرى اليوم تقدم ترمب كأقوى المرشحين عن الحزب الجمهوري بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية في 4 من 5 ولايات في الثلاثاء الكبير الثالث، بينما يُضطر بوش إلى الانسحاب قبلها بشهر بعد تأكده من إعراض الناخبين عنه في ثالث انتخابات تمهيدية. ويبدو أن الرجلَ نفسهُ لم يُصدق رسائل النتائج المخزية له في أول انتخابين، وفي استطلاعات الرأي بشكلٍ عام، وكان بحاجةٍ إلى أن يرى إصرار الناخبين الجمهوريين على إسقاطه حين أعطوه أقل من 8% من الأصوات في انتخابات كارلاينا الجنوبية في حين حصل ترامب على أكثر من 32% منها، والمفارقة أن الولاية نفسها دعمت أخاه وأباه من قبل في انتخابات الرئاسة الخاصة بهما. وفي الجانب الآخر، كان الاعتقاد سائدًا أن هيلاري كلينتون، صاحبة الألقاب والمواقع التي تستعصي على العد، هي المرشحة (الوحيدة) الحقيقية للحزب الديمقراطي، وأن وصولها إلى الحصول على ترشيحه سيكون بسهولة «التهام قطعة كعك طرية»، أو كما يقولون في أمريكا (a piece of cake). لكن صعود المرشح الآخر بيرني ساندرز، السيناتور من ولاية فيرمونت، كان مفاجئًا له هو نفسه مثلما كان صادمًا لكلينتون وجميع المراقبين. ورغم أن كلينتون استعادت شيئًا من توازنها في الأيام الأخيرة، إلا أن ساندرز، المغمور والفقير واليهودي والاشتراكي! لايزال يُشكل خطرًا عليها، فاستطلاعات الرأي على المستوى الوطني هنا في أمريكا تشير إلى أنه يحصل على 42% من المؤيدين، أي أقل بنقطتين فقط من كلينتون التي تحصل على 44%. وتظهر الدلالة الخطيرة للموضوع على حملة وزيرة الخارجية السابقة وزوجة الرئيس السابق عندما نعرف أنها كانت تتقدم عليه بـ 31 نقطة في شهر ديسمبر الماضي، أي منذ أقل من 4 شهور. وقد كانت مفاجأته الأولى تتمثل في التغلب على كلينتون في أول انتخابات تمهيدية، عالية الرمزية، في ولاية نيوهامبشير منذ أسابيع. صحيح أن كلينتون استعادت المبادرة في ثلاثة انتخابات تلتها وفازت عليه، لكن هذا الفوز لم يكن كبيرًا وساحقًا من جهة، ثم إن الرجل، من جهةٍ ثانية، لايزال يحصل على زخمٍ في غاية الأهمية في مجالين: الأول ماليًا، حيث أنه يتابع مسيرة الرئيس أوباما الذي اشتُهر في حملته الأولى بأنه لا يحصل على تمويل لها من شركات ومراكز قوى ولوبيات كبيرة وإنما من المواطنين العاديين، وبمقادير كبيرة. هذا تمامًا مايجري الآن مع ساندرز الذي بات يفتخر بأنه المرشح الذي حصل على عددٍ غير مسبوق من التبرعات في تاريخ الانتخابات الأمريكي، بما مجموعه ثلاثة ملايين دولار تبرع بها أكثر من مليون شخص. وهذا يعني أن المرشح الذي يُعتبر، ويَعتبر نفسه، عدوًا لشارع المال في أمريكا «وول ستريت»، حصل على قرابة 27 دولارًا من كل واحد من أولئك المؤيدين، واستمراره بهذا الشكل يعني عدم حاجته للحصول على مال مراكز القوى الضخمة التي تعتمد عليها كلينتون إلى درجةٍ كبيرة. أما وجه الزخم الثاني فيكمن في حقيقة أن هذا الرجل السبعيني (74 عامًا) أحدث ويُحدث اختراقًا واضحًا في قطاعات الشباب التي تصوت له بأكثرية ساحقة، وهذا يشمل الناخبات الإناث الشابات اللواتي كان المراقبون يتوقعون أنهن من الشرائح المضمونة للسيناتورة السابقة عن ولاية نيويورك. المزيد من الصور :

مشاركة :